العبث بجغرافيا المنطقة وتاريخها

03:35 صباحا
قراءة دقيقتين
ربما عرفت هذه المنطقة من العالم المسماة ب "المشرق العربي"، أكثر من سواها من المناطق الأخرى في هذه الكرة الأرضية، تعاقب موجات عاتية، كل قرون عدة، تعبث بتضاريس الجغرافيا وبمسار التاريخ، في هجمات همجية لا تبقي ولا تذر . ويبدو لي أننا، نحن العرب المعاصرين، نعيش منذ أشهر، وربما منذ سنوات عديدة، تحت عصف واحدة من الموجات الهمجية العاتية، بالذات في كل من سوريا والعراق، حيث تدمر هذه الموجات كثيراً من معالم الجغرافيا الطبيعية للمنطقة، وتعيث سرقة وتدميراً، بعدد من معالم التاريخ، الذي يعود في بعض الحالات إلى ما قبل ستة أو سبعة آلاف من السنين .
حتى أننا أمام موجة تسعى من خلال تدمير معالم الجغرافيا وتغييرها، بالنسف والتدمير، تمهيداً لمسح الصورة التي توالت على هذا المشرق العربي، وجعلته واحداً من أغنى مناطق العالم، في عمقه التاريخي، كما في تنوع المجموعات البشرية المتعددة، التي توالت على العيش فيه، راسمة أغنى فسيفساء في العالم من التنوع السكاني والحضاري والثقافي .
إنها موجة تتصف بالجنون، وليس بالهمجية وحدها، لا نستطيع في اللحظة التاريخية الراهنة أن نتخيل وضع المنطقة عندما يشاء الله أن تتوقف هذه الموجة العاتية وتنتهي .
إن عدداً من الأسئلة المخيفة والمرعبة، يتبادر في أذهاننا، نحن الذين نعيش هذه الحقبة العاصفة من تاريخنا المعاصر:
1- أيهما أقوى الجغرافيا أم التاريخ؟
2- أيهما أقدر على تحديد المعالم الحضارية في هذه البقعة أو تلك من الكرة الأرضية: الجغرافيا أم التاريخ؟
3- هل يمكن لموجة همجية عاتية كالتي نعايشها منذ سنوات، أن تلغي الصورة الحضارية والاجتماعية والثقافية لأمة ما، أو منطقة ما، صنعتها بشكل طبيعي أحداث وتحولات آلاف من السنين المتعاقبة، وتحل محلها صورة حضارة جديدة، هي الترجمة الحرفية لهذه الموجة الهمجية العاتية؟
4- ما هي معالم الدور الخفي الذي تلعبه الحركة الصهيونية الدولية في تحريك هذه الموجة تمهيداً لإلغاء تاريخ هذه المنطقة وإحلال التاريخ الصهيوني محله؟
لقد بلغت هذه الموجة الهمجية ذروة عالية من فظاعة هجمتها التاريخية، في تدمير مدن تاريخية كاملة، ومعالم أثرية كاملة، بحجة واهية لا قيمة ولا صحة لها، تدعي أنها أصنام تعبد، ينطبق عليها ما ينطبق على الأصنام التي كان يعبدها الوثنيون عند ظهور الإسلام، في حين أن التاريخ المعاصر يؤكد أنه لم يعد يوجد في أي بقعة من الكرة الأرضية وثنيون يعبدون الأصنام، وأن هذه التماثيل هي مجرد معالم تاريخية، تروي بأفصح لسان وأعمق نبرة، معالم تتابع مراحل الحضارات البشرية كما تعاقبت وتكاملت عبر آلاف السنين .
أيهما أقوى، وأقدر على الوقوف سداً منيعاً في وجه مثل هذه الموجات الهمجية العاتية: الجغرافيا أم التاريخ؟
يقول لنا تعاقب الحضارات البشرية كما مارسناه في هذه المنطقة الغنية من العالم، إن الجغرافيا هي الجسد، وإن التاريخ هو الروح، وإن لا استمرار للحياة، إلا بتكاملهما .

إلياس سحّاب

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"