العقد.. الهدية

04:20 صباحا
قراءة دقيقتين

ما إن قرأ النبأ الذي نشرته صحف عربية وأجنبية عن مزاد لبيع عقد من اللآلئ الطبيعية، سيتم في نهاية هذا الشهر في دبي، حتى دمعت عيناه. فالعقد كان هدية من طيب الذكر، المغفور له قائد ومؤسس الإمارات الحديثة، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان إلى كوكب الشرق أم كلثوم حينما زارت الإمارات، وغنت في أبوظبي، في احتفالات الدولة بعيد الاتحاد الأول في ديسمبر 1972.

قال هذا المواطن البسيط، كنت أتمنى لو أملك المال الكافي لشراء هذا العقد النادر، ليس في قيمته التاريخية التي تعود إلى عام ،1880 ولا في صفوف حجارته الملونة، وإنما لإعادته إلى وطن الشيخ زايد، ووضعه في متحفه في العين، أو في قصر الحصن في أبوظبي، فصاحب الهدية كان يعرف قيمة الهدية، وقيمة المهداة لها في الفن الرفيع، وفي الحس الوطني الأرفع والأرقى. وقد لامست أصابعه، وشاهدت عيناه هذه اللآلئ الثمينة، ولم يكن يتخيل أن ورثة أم كلثوم سيعرضونه للبيع في مزاد بعد 33 عاماً من وفاتها.

يضيف هذا المواطن، وهو يتعصَّر من الوجع، إن ما يتبقى من هذا العقد الجميل، ليست لآلئه، بل ما يمثله من قيمة معنوية، وهواء أبوظبي وصحرائها في تلك الأزمنة، وزرقتها الشفيفة، وما حلق في سمائها من طير وبراءة.

وها هو الآن يباع في مزاد، فيضيع الزفير البشري، ويتلاشى الصدى، وتختفي اللحظة المتوهجة، أمام زمان لزج، وكلام زَبَد، وغناء يفزع القلب والوجدان، لأنه بلا أصابع وبلا حفيف ومن غير روح.

يضيف المواطن البسيط أن هدية الشيخ زايد لا يليق وضعها في مزاد، لتذهب بعدها إلى فضاءات مجهولة، حتى لو طفا الذهب والألماس على سطحها. وفاضت ثرواتها حتى بلغت أقصى أركان الأرض.

حلم أم كلثوم مثل إرثها، يذهب بلا ريح، ومن غير وعد بالإياب، والذاكرة تتعرض لجراحة غليظة لاستئصالها.

دلالات هذا الرمز - العِقد كثيرة، لكنها ليست صمّاء.. ويا للحرقة، فإنها ستعرض للبيع في أرضنا.

صمت المواطن البسيط، وراح يثرثر مع نفسه، حول هذا الزمن، والذاكرة القابلة للبيع أو التأجير، ثم أخرج من جيبه صورة عقد اللؤلؤ، التي عرضتها دار مزادات كريستي، وزم شفتيه وهز رأسه مودعاً، ومن يدري لعل دمعة سقطت من عينيه، وهو يفتش عن ذكرياته.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"