العلاقات الاستراتيجية بين أوروبا و«إسرائيل»

04:27 صباحا
قراءة 3 دقائق
الحسين الزاوي

بدأت علاقات أوروبا مع «إسرائيل» تأخذ خلال السنوات القليلة الماضية، أبعاداً استراتيجية واضحة المعالم، وبالتالي لم تعد تل أبيب مضطرة للمراهنة فقط، على علاقاتها الحيوية والوثيقة مع واشنطن، بعد أن انفتحت أمامها آفاق واسعة ومثمرة للتعاون مع الغالبية الساحقة من العواصم الأوروبية، وخاصة منذ التراجع الكبير الذي شهدته منظومة الأمن القومي العربي المشترك، منذ سنة 2011.
ومن الواضح أن الدول الأوروبية الكبرى، صارت تشعر في المرحلة الراهنة بحرية أكبر على مستوى إدارة علاقتها مع «إسرائيل»؛ نتيجة لتراجع الاهتمام الإقليمي والدولي بالقضية الفلسطينية، وتحولها لدى الفاعلين الرئيسيين على مستوى الساحة الدولية، إلى ملف من الدرجة الثانية، يحمل أبعاداً إنسانية واقتصادية في المقام الأول.
ويمكننا القول إن الكاتب فريدريك إنسل، كان محقاً تماماً، عندما ذهب إلى أن أوروبا ستكون مستقبلاً الحليف الجديد والمفضل لتل أبيب، وذلك بعد مرور عقود من سيادة اعتقاد خاطئ على مستوى الساحة السياسية الدولية، مؤداه أن «إسرائيل» قد أضاعت أوروبا منذ الستينات من القرن الماضي، بعد تراجع الدعم الفرنسي لها واكتساب القضية الفلسطينية مزيداً من التأييد، من طرف الرأي العام الأوروبي، في فترة تاريخية كانت فيها دول أوروبا الشرقية تدعم القضايا العربية لأسباب أيديولوجية، وفي زمن سيطرة الأحزاب الشيوعية على الحكم في هذه الدول، قبل انهيار الاتحاد السوفييتي.
وتكمن المفارقة الكبرى فيما يتعلق بهذا التطور الحاصل على مستوى علاقة «إسرائيل» بدول القارة الأوروبية شرقاً وغرباً، في أنه يحدث في مرحلة يشهد فيها مسلسل التسوية بين «إسرائيل» وجيرانها الفلسطينيين انتكاسة كبرى، لاسيما بعد إقدام ترامب على الاعتراف بالقدس عاصمة ل«إسرائيل»، وفي سياق عام بدأ يتجه فيه المجتمع اليهودي نحو مزيد من التطرف، وصار أكثر رفضاً لمبدأ قيام دولة فلسطينية مستقلة وكاملة السيادة؛ كما أن هذا التقارب بين الجانبين لم يعد ينحصر في المجالات العلمية والاقتصادية؛ بل بدأ ينتقل تدريجياً، نحو التعاون في المجال العسكري.
ونستطيع أن نلاحظ في هذا السياق، أن «إسرائيل» استطاعت أن تعيد بناء علاقاتها مع أوروبا، بشكل كبير من خلال استثمار حدثين مهمين، تمثل الأول في اتفاقية أوسلو، التي أتاحت لمعظم دول العالم لاسيما الأوروبية منها، استئناف علاقاتها مع تل أبيب، بعيداً عن كل الضغوط السياسية.
أما الحدث الثاني فقد تمثل في دخول دول عربية كبيرة ومؤثرة في مرحلة غير مسبوقة من عدم الاستقرار، وخاصة في سوريا والعراق، إضافة إلى انشغال مصر بمحاربة الإرهاب في شمال سيناء، وتركيز دول الخليج لمعظم جهودها لمواجهة التهديدات الإيرانية في المنطقة.
ويذهب المراقبون إلى أن التحولات في مسار العلاقات الدولية، شهدت منحاً تصاعدياً، منذ سقوط حائط برلين، الذي كان من نتائجه البارزة دخول دول شرقي أوروبا، إلى دائرة النفوذ الأمريكي، ونجم عن كل ذلك ازدياد حاجتها إلى الاستثمارات الأمريكية، وإلى الحماية العسكرية لحلف الناتو بقيادة واشنطن، حيث اقتنعت عواصم مثل وارسو، وبودابست، وبراغ، أنه لا يمكنها الحصول على الدعم الأمريكي دون مباركة مباشرة من اللوبي اليهودي الأمريكي؛ لأنه إذا كان الاتحاد الأوروبي يرمز إلى الرفاهية بالنسبة لدول أوروبا الشرقية، فإن حلف الناتو يعني بالنسبة إليها البقاء على قيد الحياة، بحسب تعبير برونيسلاف جيريميك، وزير الخارجية البولوني الأسبق.
وشهدت في السياق نفسه علاقات دول أوروبا الغربية الكبرى، مع تل أبيب مؤخراً، انطلاقة جديدة، حيث تعززت أواصر التعاون بين «إسرائيل» وألمانيا في المجال العسكري، بعد قيام برلين بتزويد الجيش «الإسرائيلي» بغواصات متطورة، أما على المستوى السياسي فقد رفضت ألمانيا في شهر مايو/أيار الماضي، التصويت لصالح مشروع قرار كويتي في مجلس الأمن، يندد بالعنف «الإسرائيلي» ضد المتظاهرين السلميين المطالبين بحق العودة.
كما تعرف العلاقات البريطانية «الإسرائيلية»، مزيداً من التقدم المطرد وخاصة بعد حدث «البركسيت»، الذي جعل سياسة لندن الخارجية مستقلة تماماً عن بروكسل، وقد سبق لبريطانيا أن رفضت التصويت لصالح دخول فلسطين إلى الأمم المتحدة، كما استقبلت تيريزا ماي، نتنياهو بحرارة بالغة بمناسبة الاحتفال بذكرى وعد بلفور، بتاريخ 2 نوفمبر 2017.
والملاحظة نفسها يمكن أن نسجلها بشأن العلاقة بين باريس وتل أبيب، التي عرفت تطوراً كبيراً لصالح «إسرائيل»، منذ وصول الرئيس ساركوزي إلى الحكم سنة 2007، واستمر هذا التطور مع هولاند، لتصل علاقات باريس مع تل أبيب، إلى أفضل مستوياتها مع ماكرون، المعروف بصلاته الوثيقة بالأوساط المالية اليهودية، والذي قال مؤخراً في تصريح ملفت للنظر: «إن معاداة الصهيونية هو شكل مقنع لمعاداة السامية».
ولولا الضغوط التي تمارسها الجالية المسلمة على صناع القرار في باريس، لكانت العلاقة بين الجانين أفضل بكثير مما هي عليه الآن.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أستاذ الفلسفة في جامعة وهران الجزائرية، باحث ومترجم ومهتم بالشأن السياسي، له العديد من الأبحاث المنشورة في المجلات والدوريات الفكرية، ويمتلك مؤلفات شخصية فضلا عن مساهمته في تأليف العديد من الكتب الجماعية الصادرة في الجزائر ومصر ولبنان

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"