العلم.. السلاح الأقوى

03:29 صباحا
قراءة 3 دقائق
على الرغم من الضربة القاصمة التي تلقاها الشعب الفلسطيني، عام 1948، والمتمثلة بإقامة الكيان العنصري الاستيطاني الصهيوني على أنقاض الوطن والمجتمع الفلسطينيين، والخسائر المادية والمعنوية الهائلة التي تكبدها هذا الشعب، في مؤامرة حيكت خيوطها في عواصم القرار الاستعماري الغربي، إلا أن ما يجب الانتباه إليه هنا، هو أنه ورغم فدح الخسائر، إلا أن الشعب الفلسطيني، استطاع خلال سنوات ليست كثيرة، أن ينهض بقضيته، من جديد وأن يضعها في مصاف القضايا التحررية الكبرى.
أما سبب هذا النهوض الفلسطيني السريع، فإنما يعود في الواقع إلى توجّه جموع اللاجئين الفلسطينيين، صوب التعليم وطلب العلم والمعرفة، لتأمين معيشتهم في متاهات اللجوء، الأمر إلى أفرز طبقة فلسطينية متعلمة، استطاعت أن تقود الشعب الفلسطيني في نضاله ضد الاحتلال، بالاستناد إلى وعي سياسي وحضور ثقافي لافت.
هذه المقدمة قاد إليها في الواقع حدث ثقافي لافت شهده المجلس الثقافي البريطاني، حيث استمرت مدارس وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الأرض الفلسطينية المحتلة في الحصول على المراتب الأولى لجائزة المدرسة الدولية لهذا العام التي يمنحها المجلس المذكور.

وحصلت جميع مدارس الأونروا في غزة والتي قدّمت ملفات الإنجاز الخاصة بها على المراتب الأولى لجوائز المدرسة الدولية، حيث حصلت خمس عشرة مدرسة على الجوائز الأولى، بينما حصلت مدرسة واحدة على الجائزة الثانية. وفي هذا العام، شاركت اثنتان وأربعون مدرسة من الأونروا في غزة والضفة الغربية ومن وزارة التربية والتعليم الفلسطينية في هذه الجائزة الدولية المرموقة.
وقامت لجنة التحكيم المكوّنة من خمسة سفراء من جائزة المدرسة الدولية بمراجعة الطلبات التي جرت في أريحا ما بين الرابع عشر والسادس عشر من أغسطس 2017.
وتهدف جائزة المدرسة الدولية إلى تكريم وتطوير وتشجيع الممارسات الناجحة في المنهاج المبني على البعد الدولي في المدارس والاحتفال بها. استطاعت مدارس الأونروا من خلال مشاركتها في الجائزة، تأسيس شراكات مع مدارس عدّة في دول أخرى في العالم العربي وأجزاء أخرى من العالم من خلال استخدام تكنولوجيا الاتصال والمعلومات والوسائط المتعددة.
ويشمل العمل الدولي لمدارس الأونروا مشاريع مع المدارس الشريكة، حيث يتبادل الطلاب الأفكار ويتعلمون من بعضهم بعضاً عن القضايا العالمية المشتركة، كقضايا حقوق الإنسان والتراث والبيئة والتقاليد وغيرها من الموضوعات الثقافية الأخرى.
هذه الجوائز التي حصدتها مدارس اللاجئين الفلسطينيين، تعيد إلى الأذهان ذكريات جيل الخمسينات والستينات الفلسطيني من القرن الماضي، حيث رافق مصباح الكاز مئات الآلاف من التلاميذ والطلبة الفلسطينيين، في رحلة بحثهم عن العلم والمعرفة، رغم شظف العيش، وصعوبة الحياة، والتي انتجت جيلاً فلسطينياً متعلماً، إذ بلغت معدلات الالتحاق بمؤسسات التعليم شوطاً جعلها تعتبر من الأعلى بالمقاييس الإقليمية والدولية، وذلك يعكس بوضوح أهمية التعليم بالنسبة للفلسطينيين، فبسبب لجوء الفلسطينيين وفقدانهم للكثير من أملاكهم، أصبح التعليم حاجة ماسة بسبب فقدان مصادر الرزق الأخرى، المتمثلة بالزراعة والتجارة والصناعة لدى شريحة عريضة من الفلسطينيين.
ولذلك فمن الطبيعي أن يعمل الطلاب الفلسطينيون وذووهم المستحيل من أجل الحصول على قبول في إحدى الجامعات المحلية، فإن لم يتيسر ذلك ففي جامعة عربية، ولم يترددوا بتحمل نفقات التعليم في الجامعات الأوروبية أيضاً، ونتيجة لهذا، حقق الفلسطينيون على مدار ستين عاماً أعلى نسبة من المتعلمين في العالم العربي، والتي تعتبر في ذات الوقت من أعلى النسب في العالم.
وإزاء كل ما تقدم نستطيع القول إن فوز مدارس اللاجئين الفلسطينيين بجائزة المدرسة الدولية، نقطة مضيئة في تاريخ النضال الفلسطيني، لأن أي قضية عادلة يحميها العلم والمعرفة، هي قضية ستنتصر وإن طال الزمن، وأن سلاح العلم والمعرفة، أثبت أنه الأقوى في مواجهة الشعوب لمصائرها، وكفاحها من أجل نيل حقوقها المشروعة.
نبيل سالم
[email protected]
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"