الفلسطينيون يتوقعون الأسوأ

03:47 صباحا
قراءة 3 دقائق
حافظ البرغوثي

تحول فيروس «كورونا» إلى جندي في خدمة نتنياهو وسهل له تفكيك تكتل المعارضة والبقاء في سدة الحكم وتأجيل جلسات محاكمته إلى أجل غير مسمى.

يتوقع الفلسطينيون صورة قاتمة لأوضاعهم في حالة استمرار تفشي فيروس «كورونا» المستجد في العالم؛ حيث حذر رئيس الوزراء الفلسطيني محمد إشتية من أن الأصعب قادم صحياً ومالياً، ودعا الفلسطينيين إلى الاعتماد على أنفسهم. وما يقصده إشتية هو أن خزينة السلطة الفلسطينية التي تعتمد على الضرائب، ومستحقات الجمارك بنسبة الثلثين، ستنخفض إيراداتها إلى النصف خلال الشهر المقبل؛ نظراً لتوقف الدورة الاقتصادية، وتعطل الحياة الاقتصادية والتجارية؛ بسبب منع التجول، وأيضاً بسبب توقف أكثر من مئة ألف عامل عن العمل في داخل فلسطين المحتلة سنة 48.

سلطات الاحتلال التي تخشى من انتشار الفيروس في الضفة وغزة؛ سارعت إلى الإفراج عن أموال السلطة الفلسطينية التي سبق أن احتجزتها، وتستطيع السلطة تدبير أمرها لمدة شهرين على أبعد تقدير في غياب الدعم الخارجي؛ لأن أكبر الجهات المانحة وهي دول الاتحاد الأوروبي منهمكة في شأنها الداخلي، وكذلك الدول العربية ككل، ويخشى «الإسرائيليون» من أن تفكك السلطة في غياب المال؛ سيؤدي إلى عدم استقرار، ووقوع انتفاضة مسلحة ضد الاحتلال.

كانت السلطة الفلسطينية منذ البدء تدرك أن الجهاز الصحي الفلسطيني غير مؤهل لتحمل علاج أعداد كبيرة من المصابين بالفيروس، لهذا سارعت القيادة الفلسطينية إلى وقف الدراسة ثم حجر المناطق المصابة ثم فرض حظر التجول؛ إذ إن هناك نقصاً في أجهزة التنفس الصناعي التي لا تتجاوز بضع العشرات إلى جانب نقص الأدوية والأنابيب وعينات الفحص للمصابين. فالفيروس وصل إلى الأراضي الفلسطينية أولاً عن طريق فوجين سياحيين؛ أحدهما كوري جنوبي يتبع كنيسة لي مان، الذي اعترف بأن جماعته مسؤولة عن انتشار الفيروس في كوريا الجنوبية، وعن طريق فوج يوناني في بيت لحم؛ لكن الإصابات تواترت عن طريق العائدين من الخارج سواء من أوروبا أو أمريكا أو من العمال داخل الكيان. وقد فرضت اللجان الشعبية الفلسطينية التي تشكلت بسرعة في المدن والقرى حظراً للتجول في الضفة، وأقامت اللجان التطوعية حواجز؛ لتعقيم السيارات على مداخل القرى، واحتجاز العمال القادمين من الداخل وإخضاعهم للحجر المنزلي؛ بعد فحصهم. ولوحظ أن سلطات الاحتلال تركت معابر في منطقة طولكرم وقلقيلية مفتوحة من دون حراسة في خطوة اعتبرها الفلسطينيون محاولة لإطلاق حرية التنقل؛ لنقل الفيروس من الكيان إلى الضفة؛ لكن البعض يقول: إن ترك المعابر مفتوحة؛ يرجع إلى خشية موظفي وحراس الشركة الأمنية الخاصة التي تدير المعابر من الفيروس؛ فتركوا أماكن عملهم. وكان العمال يوفرون أكبر نسبة من النقد للسلطة، وفي غياب العمل في المصانع والمنشآت «الإسرائيلية» ينضم أكثر من مئة ألف عامل إلى البطالة، وبينما استعدت أغلب الدول بحزم دعم مالية لرعاياها؛ لمواجهة البطالة ومنع التجول، لا تجد السلطة أي مورد؛ بل تكافح للحصول على مساعدات طبية، وحصلت على وعود من الصين، كما حصلت على أدوية معينة من الأردن مضادة للملاريا، وأثبتت نجاعتها في علاج الفيروس القاتل. على الجانب الآخر وضعت سلطات الاحتلال مليار دولار تحت تصرف جهاز الموساد؛ ليوفر للكيان «الإسرائيلي» أجهزة تنفس صناعي وعينات فحص وكمامات وأقنعة؛ أي أن الاحتلال الذي هون بداية من خطر الفيروس؛ بدأ يدفع ثمن استهتاره مع أن الفيروس تحول إلى جندي في خدمة نتنياهو وسهل له تفكيك تكتل المعارضة، والبقاء في سدة الحكم، وتأجيل جلسات محاكمته إلى أجل غير مسمى.

وقد عمد مصنع فلسطيني في الخليل إلى البدء في إنتاج أول جهاز تنفس صناعي بمساعدة مهندسين وأطباء فلسطينيين؛ لتعويض النقص في المستشفيات الفلسطينية، كما أنتجت معامل محلية ما يحتاج إليه السوق من معقمات وكمامات فيما تدرس مصانع الأدوية إنتاج أدوية الملاريا التي اعتمدت في الأردن وفرنسا والصين للعلاج. وجاءت تدابير الوقاية والحجر الصحي وعزل المدن عن بعضها مبكراً كعوامل حاسمة؛ لمنع انتشار الفيروس، وعدم تحميل الجهاز الصحي فوق طاقته. وقد أعاد الفلسطينيون بعث الاقتصاد المنزلي الذي اعتمدوه في الانتفاضة الأولى؛ من حيث الزراعة المنزلية؛ لتوفير الغذاء لأن التقديرات تشير إلى أن التعايش مع الجائحة سيستمر طويلاً، وأن الموارد الفلسطينية ستشهد تراجعاً كبيراً جداً؛ ما يستدعي البحث عن لقمة العيش محلياً، فبينما رصدت دولة الاحتلال مبلغ عشرين مليار دولار؛ لمساعدة العاطلين عن العمل والشركات، فإن السلطة الفلسطينية لن تستطيع بعد شهرين دفع رواتب موظفيها العاملين التي لا تتجاوز مئة مليون دولار شهرياً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"