القفز في فراغ التسوية

02:48 صباحا
قراءة 3 دقائق
نبيل سالم

كل يوم يقدم أصحاب القرار في «إسرائيل» دليلاً تلو الآخر، على عدم اهتمامهم بالسلام، بل وإصرارهم على وضع العصي في دواليب أية تسوية مقترحة لإنهاء الصراع، وإعادة الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، ولو بحدها الأدنى، بدءاً من الإصرار على سياسة التعسف والاعتداءات المتواصلة على أبناء الشعب الفلسطيني الرازح تحت الاحتلال، مروراً بتكثيف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومحاولات تهويد القدس العربية، وصولاً إلى المخططات الرامية إلى تهجير حتى الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948، وتنفيذ سياسة الترانسفير بحقهم، تمهيداً لتحقيق شعار يهودية الدولة.
ولعل تصويت مركز حزب الليكود «الإسرائيلي» بزعامة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، يوم الأحد الماضي، لمصلحة مشروع قرار يدعو إلى فرض السيادة «الإسرائيلية» على كل المستوطنات المقامة على أراضي الضفة الغربية المحتلة، يقدم دليلاً آخر دامغاً يعد الأول من نوعه بعد «خطة فك الارتباط» مع قطاع غزة المحاصر، على نوايا «إسرائيل» التوسعية، وإسقاط قيام الدولية الفلسطينية إلى الأبد.
وطبقا للوائح الحزب، فإن قرار اللجنة المركزية لليكود يلزم جميع ممثلي الحزب في الكنيست والحكومة، العمل من أجل دفع الاقتراح لتشريعه كقانون، رغم الترجيحات أن نتنياهو لن يتصرف وفقاً لرغبات اللجنة المركزية لليكود فحسب، تماشياً مع الرغبة الأمريكية التي وجهت تعليمات لنتنياهو بأن «يكبح جماح البناء الاستيطاني» في أعقاب إعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في 6 ديسمبر/كانون الأول، مدينة القدس عاصمة ل«إسرائيل».
ففي أعقاب مناقشة استمرت ساعتين، تمت الموافقة على الاقتراح بأغلبية الأصوات، وجاء في نص «الاقتراح» على أنه «في الذكرى الخمسين لتحرير ما يسميه «الإسرائيليون» بـ«يهودا والسامرة، بما فيها القدس، عاصمة أبدية «لإسرائيل»»، كما دعت اللجنة المركزية قيادات الليكود المنتخبة إلى «العمل من أجل السماح بالبناء الحر، وإحلال قوانين «إسرائيل» وسيادتها على مجمل المجال الاستيطاني في الضفة الغربية المحتلة».
ورغم أن بعض المحللين رأوا في الخطوة هذه محاولة للتأثير في سير التحقيق في ملفات الفساد التي تعصف برئيس الحكومة ورئيس ائتلافه، دافيد بيتان، إلا أن مثل هذه الخطوة تأتي منسجمة مع المواقف الأمريكية الأخيرة وعلى رأسها اعتراف الرئيس ترامب بالقدس عاصمة لـ«إسرائيل». وكأن الليكود يريد أن يستثمر المواقف الأمريكية لإضافة تغييرات جيوسياسية على الأرض لاسيما في ظل العجز العربي الواضح.
فالتصويت على مشروع قرار يدعو كل منتخبي الليكود إلى العمل على إحلال سيادة الاحتلال وقوانينه على كل المستوطنات المقامة على الضفة الغربية المحتلة، بما في ذلك الأغوار، يعني عملياً ليس عرقلة أية تسوية ممكنة للصراع بطرق سلمية، وإنما دفن كل المحاولات الرامية إلى مثل هذه التسويات. إذ يصح السؤال هنا، أنه في حال تمت هذه الإجراءات «الإسرائيلية» أو غيرها على الأرض، فماذا سيبقى للفلسطينيين للتفاوض عليه، من أجل إقامة الدولة الفلسطينية؟ لاسيما إذا أخذنا في الاعتبار التوزع الجغرافي للمستوطنات «الإسرائيلية»، وهو أمر يجعل الأراضي الفلسطينية مجرد معازل منفصلة عن بعضها بعضاً، ما يضيف معاناة جديدة للشعب الفلسطيني، ويجعل من حلم إقامة الدول الفلسطينية رغم صغر وتواضع هذا الحلم، مجرد سراب. وحتى لو افترضنا أن هذه الدولة يمكن أن تقام فإنها ستكون فارغة من أي مضمون سيادي، بالمعنى الحقيقي، أي أنها ستكون مجرد «جيتو» فلسطيني، محاصر، وتابع للاحتلال «الإسرائيلي»، الذي يتحكم في حدوده ومساحات كبيرة من الأراضي الفلسطينية، فضلاً عن تحكم الاحتلال في مصادر المياه وغير ذلك من مقومات الحياة الطبيعية.
وعليه، فإن الخطوة «الإسرائيلية» الجديدة إنما تثبت بالدليل القاطع موت عملية السلام الفلسطينية - «الإسرائيلية»، وهو أمر من شأنه أن يعيد المفاهيم الحقيقية للصراع، باعتباره صراع وجود، وليس صراعاً على أراض متنازع عليها، كما حاول الغارقون في وحل التسوية أن يروجوا. فـ«إسرائيل» دولة احتلال، والاحتلال لا يمكن التعامل معه، إلا من خلال مقاومته، وفي التاريخ الكثير من الشواهد التي تثبت أن أي احتلال لا يمكن أن ينتهي ما لم يدفع المحتل ثمن احتلاله باهظاً، وما لم تشرع الشعوب المضطهدة أسلحتها في وجه المحتلين. وأية تسوية مع احتلال، ولا سيما من نوع الاحتلال «الإسرائيلي» الاستيطاني الإجلائي العنصري، لا يمكن أن تكون مجدية ما لم تدعمها القوة من خلال المقاومة الحقيقية لهذا الاحتلال، لأن أية تسوية كهذه لن تكون إلا قفزاً في الفراغ يقود إلى سقوط مريع.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"