القلقون نيابة عن الصامتين العرب

02:26 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق

اختيار الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب للمحامي اليهودي المتشدد ديفيد فريدمان سفيراً في «إسرائيل»، لن يدعم فرص السلام كما يعتقد، ولكن سيؤدى إلى عكس ذلك تماماً. من شأن هذه الخطوة المتهورة أن تؤجج الصراع في الأراضي المحتلة، وتزيد التوتر الإقليمي، وتقوض القيادة الأمريكية في المنطقة.
ما سبق ليس رأي مواطن عربي يقلقه التوجه اليميني المتشدد لمسؤولي الإدارة الأمريكية الجديدة، ومواقفهم المناهضة للعرب والمسلمين، ولكنه جزء من افتتاحية صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، تعليقاً على الترشيح الذي قابله العرب بالصمت، رغم أنهم أكبر المتضررين منه.
على هذه الصفحة نشرنا مقالاً بتاريخ 28 سبتمبر/أيلول بعنوان «هل حان وقت القلق العربي»، في إشارة إلى مواقف ترامب ومساعديه. في مقدمة دواعي القلق كانت الخطة التي أعدها مستشاراه لشؤون «إسرائيل»، وأحدهما كان فريدمان نفسه، وهو محام يهودي قريب من ترامب يكرر دائماً أن الرئيس يشاطره آرائه نفسها.
أهم ما تضمنته الخطة هو التراجع عن حل الدولتين، رغم أنه حجر الزاوية للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط طوال العقدين الأخيرين. فضلاً عن ذلك، يؤيد السفير الذي يتعين على الكونغرس إقرار ترشيحه، نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وهو وعد قطعه ترامب على نفسه خلال الحملة الانتخابية. ويؤيد السفير أيضاً ضم أراض من الضفة ل«إسرائيل» التي يعطيها وحدها من دون شريك، الحق في تحديد ما يجب، وما لا يجب أن يحصل عليه الفلسطينيون.
ويهاجم فريدمان بضراوة كل من يعارض توجهاته، بمن فيهم اليهود. وسبق أن وصف مؤيدي «جيه ستريت»، وهي جماعة يهودية أمريكية ليبرالية تدعم حل الدولتين، بأنهم مثل يهود ألمانيا الذين تآمروا مع النازي ضد أشقائهم.
بسبب هذه المواقف المتطرفة وغيرها، ودوره في جمع التبرعات للاستيطان في الضفة، أثار قرار ترامب غضب وقلق الكثير من الكتاب والناشطين الأمريكيين، وبعضهم من اليهود. ولم تكن افتتاحية «نيويورك تايمز» سوى نموذج لفيض من التعليقات والكتابات المماثلة. وتعتبر الصحيفة أن موقف فريدمان من معارضيه اليهود يوضح أنه غير قادر على التواصل مع كل الأطياف، حتى داخل المعسكر الواحد، وهو سبب إضافي يجعله غير جدير بمنصب السفير.
وبعد أن حذرت من خطورة نقل السفارة إلى القدس، طالبت الصحيفة مجلس الشيوخ برفض الترشيح، إنقاذاً للمصالح الأمريكية، ولترامب نفسه، على حد قولها.
مثال آخر للغضب الأمريكي جسدته مقالة مهمة للسياسي المخضرم دانيال كيرتزر، السفير الأمريكي السابق في «إسرائيل» وصف فيها قرار ترامب بأنه خاطئ، داعياً إلى سحب الترشيح فوراً. وأكد السفير أن فريدمان بلا خبرة، ولا معرفة، ويرفض أن يوسع من إدراكه، وغير مؤهل للمنصب، ولا تتناسب آراؤه المعلنة مع مهمته الدبلوماسية. وبلا تحفظ يقول إنه بهذه الآراء لن يمثل الشعب الأمريكي، بل أقلية صغيرة متشددة منه تضع نصب عينها أقلية صغيرة متشددة أخرى في «إسرائيل».
ويعتبر كيرتزر أن تعيين هذا المحامي اليميني المتشدد سيضر بالمصالح الأمريكية، وبرئاسة ترامب. ومثل غيره يحذر من مخاطر نقل السفارة للقدس، متوقعاً تفجر اضطرابات واسعة في العالمين العربي والإسلامي، فضلاً عن الأراضي المحتلة. ويرى أن واشنطن ستفقد بهذا القرار مصداقيتها، وستتناقض مع نفسها حينما تطالب الآخرين بالامتناع عن اتخاذ قرارات أحادية في قضايا ملتهبة. ويطرح تساؤلاً استنكارياً عن الفائدة التي ستجنيها واشنطن من قتل حلم الدولة الفلسطينية، أو زيادة الاستيطان.
نكتفي بهذين النموذجين للآراء الغاضبة بشأن ترشيح فريدمان، وهي الخطوة العملية الأولى التي تتيح استقراء ملامح سياسة ترامب في الشرق الأوسط. لا تبشر هذه الخطوة بخير، ولا تدعو للتفاؤل بما سيتلوها. وهي تؤكد في الوقت ذاته، أن دواعي ومبررات القلق العربي من توجهات إدارة ترامب مبررة ومنطقية. الشيء غير المنطقي هو أن أكثر من يعبر عن هذا القلق علناً هم الأمريكيون وليس العرب.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"