القيادة الإنسانية عند الشيخ محمد بن راشد

03:33 صباحا
قراءة 4 دقائق
الجوانب الإنسانية الخيرة، شيء أساسي عند أي زعيم أو قائد، وينبغي أن تتزايد هذه الجوانب في هذا العصر الذي تقاربت فيه المسافات وأصبح الإنسان جزءاً لا يتجزأ من الآخرين، ويتفاعل معهم في القرب والبعد، وبشكل يكاد أن يكون في كل وقت وفي كل مكان، والقيادة الحقة، هي التي لا يقتصر تفاعلها على محيطها الجغرافي أو الإقليمي، وتراها تتوق إلى محيط أكبر وأكثر اتساعاً، وهو المحيط الإنساني المتعلق بالإنسان في أفراحه وأتراحه، وتبحث هذه القيادة عن احتياجات هذا الإنسان، ومشاركة همومه، والعمل على المساهمة معه، من دون النظر إلى الانتماءات أو الأعراق أو الأجناس، أو المدى الجغرافي الذي يقرّب هذا الإنسان أو يبعده في المسافة الفاصلة.

والقائد الذي يتصف بهذه الصفة الإنسانية، صفة اعتبار البعيد كالقريب في العلاقة الإنسانية، يكون مؤهلاً وجديراً بالسير في المقدمة وبتولي سدّة المسؤولية والزعامة أينما حل وتواجد.

وأمامنا مثل حيّ في الاستشهاد بزعامة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، هذا القيادي البارز، الذي أصبح ذكره تشرئب إليه الأعناق في أصقاع العالم، باعتبار أن قيادته وعطاءه لم يقتصرا على التنمية في محيطه، بل تعدياه إلى بقاع كثيرة في العالم وأصبح الحديث عنه على الألسنة أينما اتجهت الانظار والأبصار.

في داخل بلده ومحيطه، يضع الشيخ محمد بن راشد اللبنات واحدة تلو الأخرى، لبناء مجتمع حثيث السير نحو التكافل الاجتماعي المدني، ولم تعد الطبقية أو الفئوية، أو أي شكل من أشكال هذين العاملين المعرقلين للتنمية المدنية، ذات قرار يحد من الحث على السير. وأصبح أمام كل الكفاءات والقدرات على العطاء، مجالات لإثبات الوجود. قد يقع الخطأ، وقد لا يحسب حساب لهذا الخطأ في الاختيار بين الأفضل والمفضول، ولكن ذلك يحصل من خلال اجتهادات ينحصر غرضها في الوصول إلى الأفضلية، وفي الأثر أن كل مجتهد حسن النية له أجر حتى لو لم يحالفه الصواب.

وفي المحيط الداخلي أيضاً، عمل الشيخ محمد بن راشد على اعتبار التعددية الديموغرافية السكانية جزءاً من كينونة المجتمع المدني، التي تبرز الوجه الحضاري للإمارات عامة وللمجتمع الدبوي بوجه خاص، بحيث أصبحت أحد أكبر المراكز للنشاط المالي والاقتصادي والتسويقي في العالم، وأصبحت الشركات العالمية ذات الجنسيات المتعددة تتخذ من دبي مراكز لنشاطها في المنطقة والإقليم القريب والبعيد، وتشعر هذه الشركات أنها في مكان آمن وأنها في حماية من أية معاملة لا تتمشى مع القانون العام المطبق في كل دولة من دول العالم المتحضر.

ومن العلامات الفارقة في قيادة الشيخ محمد بن راشد هي نشدان العدالة الاجتماعية والمساواة بين الناس أمام القانون أو النظام، بحيث أصبحنا نجد، وبشكل فيه كل الشفافية، إجراءات تكبح جماح من تسول له نفسه أنه في مأمن من المساءلة مهما كانت منزلته. قد يمضي وقت على الجامح وهو يسير في غيه، ولكن الرقابة، الرقابة الساهرة، التي يقودها الشيخ محمد بن راشد بنفسه، وانتباهه لمثل هذا الجنوح، هي بالمرصاد والتصدي. ولا نزعم أنه لا توجد نواقص تؤثر سلباَ هنا وهناك، ولكن طالما أن القيادة لها عيون رقابية تبصر وتصرّ على تحقيق العمل الصحيح، فإن السلبيات مآلها إلى الاختفاء وفي وقت ليس ببعيد. وفي الحقيقة أن العوامل التي ذكرتها، والتي تتعلق بالعدالة الإجتماعية وتوفيرها في المجتمع، هي أساس أي عمل تنموي واستمراريته، ومن دون الشعور بأن هناك عدالة وأن هناك رقابة على تحقيق هذه العدالة، فإن التنمية تتباطأ وقد تتوقف عن السير إلى الأمام.

والذي يجعلنا في هذا البلد نتفاءل بالخير أمام ما نراه، وندعو لشخصية محمد بن راشد أن تنجح في كل خطوة تخطوها نحو الخير.. هو أن هذا القائد لا يستكين في دائرة ضيقة من محيطه الجغرافي كما قلنا، بل هو دؤوب على الخروج إلى العالم، العالم الإنساني، ومد يد العون إلى المحتاجين إليه في كل مكان. قبل عام خرجت مبادرته، محاربة الفقر بالعلم، ليس في محيطه فقط بل في العالم، وخاصة في المناطق التي يضرب فيها الجهل أطنابه، في دول العالم الثالث، إن صح التعبير. ويقول الشيخ محمد بن راشد إنه في غاية السرور لعلمه بأن دولاً أخرى باتت تحاول السير على منوال الخطوات التي اتخذها في مجال نشر التعليم في المجتمعات الفقيرة. وقد وصلت أعداد المستفيدين من مشروع دبي العطاء أكثر من أربعة ملايين شخص في دول كثيرة، ولنتصور كم من التغيير في حياة هؤلاء وفي المجتمع الذي يعيشون فيه سيحدث، عندما يخوض هؤلاء الملايين الأربعة غمار الحياة وهم يتسلحون بالمعرفة.

ويأتي الآن، المشروع الإنساني الثاني الكبير ليكون صنواً لدبي العطاء، مشروع دبي النور، الذي يهدف إلى توفير العلاج لملايين من الناس في العالم، الذين فقدوا أبصارهم أو أنهم معرضون لفقد أبصارهم إذا لم يتم إسعافهم والمبادرة السريعة لعلاجهم.. مثل هذه المشاريع الإنسانية، على العالم في كل مكان الإشادة بها، ليس لأنها تقدم خدمة جليلة للإنسان فحسب، ولكن لأنها تستحث الهمم، وتجعل العواطف الإنسانية الكامنة في النفوس تستثار وتتفاعل وتتضامن من أجل خير الإنسانية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"