اللعبة الطائفية في اليمن

05:06 صباحا
قراءة 3 دقائق
يعيش اليمن "السعيد" أتعس أيامه بعد أن بات قاب قوسين أو أدنى من الدخول في حرب أهلية شاملة، تضعه أمام خيارين راديكاليين، إما أن يختار التطرف ممثلاً في القاعدة و"داعش"، وإما أن يقبل بوصاية التطرف الحوثي على البلاد والعباد، بينما يؤكد واقع الحال أن المجتمع اليمني المسالم لا يستحق أن يُحشر في زاوية مغلقة ليُفرض عليه أن يختار بين أمرين أحلاهما مر، فما من شك أن الحروب الطائفية هي أسوأ أشكال الحروب الأهلية وأكثرها تدميراً لأنها تستدعي شياطين التاريخ القريب منها والبعيد لتعيد شحن ثقافة الحقد والكراهية التي تأتي على الأخضر واليابس . لقد أدى ضعف الدولة اليمنية وهشاشة مؤسساتها الأمنية إلى سيطرة المليشيات المسلحة على العاصمة، كما أسهم انقسام المؤسسة العسكرية اليمنية وافتقادها قيادة موحدة، في انهيار الأوضاع وتمكين جماعة الحوثيين من الاستيلاء على مناطق شاسعة من التراب اليمني، وصولاً إلى مدينة عدن معقل الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، الذي يحظى بشرعية دولية وإقليمية، لكنه يفتقد في المقابل القوة الضرورية التي تسمح له بفرض حل سياسي توافقي على خصومه، ما استدعى مغادرته المدينة .
كان بإمكان المبادرة الأممية والخليجية أن تؤتي أكلها وتفضي إلى حل سياسي في اليمن، لو أن المؤسسة العسكرية اليمنية كانت متماسكة ومستقلة عن الولاءات القبلية والعائلية، فقد لعبت عائلة الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح دوراً في غاية القبح من أجل تفكيك البقية الباقية من الجيش اليمني المتهالك، وكأن "صالح" أراد أن يثبت للجميع أن حال اليمن لا تكون صالحة لأن يستمر في مسيرته الوحدوية من دونه، إنها لعمري الأسطوانة نفسها التي سمعناها في أكثر من مكان في هذا الوطن العربي الجريح: "إما أن أحكمكم وإما أن أقتلكم" .
أما جماعة الحوثيين التي رفضت وساطة الأشقاء والجيران وتتهمهم بالتدخل في الشؤون الداخلية لليمن، فإنهم يرتمون في حضن الأخ البعيد وغير الشقيق الذي يحمل أجندة إقليمية لا علاقة لها لا بعلي بن أبي طالب ولا بمعاوية بن أبي سفيان، إنها أجندة وطنية إيرانية خالصة لا تمثل اليمنيين سواء كانوا شيعة أو سنة .
وعليه فإن مأساة اليمن وغيره من الأقطار العربية هو أن الكثير من أبنائه اختاروا أن تقام الدولة على أساس الانتماء الطائفي والديني وليس بناءً على الانتماء إلى الوطن ومثله العليا وهويته العربية التي سبق أن جمعت في بوتقتها السني والشيعي والمسيحي وحتى اليهودي تحت سقف سماء واحدة، بينما تضيق الآن الأرض اليمنية بأبنائها بما رحبت، نتيجة الخيارات التي فرضتها عليهم اللعبة الطائفية المقيتة . يبدو في كل الأحوال أن الوقت المتبقي من أجل تحقيق حل سلمي للصراع اليمني قد شارف على الانتهاء، ويظل لدينا بالرغم من ذلك بصيص أمل في نضج وحكمة النخب اليمنية، من أجل تغليب لغة الحوار والتوافق على قعقعة أصوات الأسلحة التي تريد أن تشعل نار الحرب الأهلية لتكون أجساد اليمنيين وقوداً لها .
وبصرف النظر عن القناعات التي يتبناها أولئك وهؤلاء، فإن كلمة الفصل يجب أن تكون مرتبطة بالشرعية الدولية التي أقرت أن الرئيس عبد ربه هو الرئيس الشرعي لليمن، وفي صورة تدحرج الأوضاع في اليمن نحو الهاوية، فإن من حق الشقيق القريب المتمثل في القوى الإقليمية وفي طليعتها المملكة العربية السعودية أن يتخذ الإجراءات التي يراها مناسبة من أجل الدفاع عن حقوقه الجيوسياسية المشروعة في اليمن، وبهدف دعم الشرعية الدولية التي أقرتها الأمم المتحدة، بعيداً عن كل المزايدات السياسية والمهاترات الإعلامية التي تُخلط الألوان والحقائق من أجل أن تتساوى الضحية بالجلاد .
وصفوة القول إن على أطراف الصراع في اليمن أن يعلموا أن اللعبة الطائفية، ليست مرادفة للعب السلمي والبريء، قد تكون لعبة القتل حقاً لا مجازاً كرة متدحرجة تتقاذفها الأرجل، ولكنها كرة من النار، وهي لا تتوقف عند المرمى، ولا تستجيب لتحذيرات الحكم ولا تعبأ بصفارته ولا بقوانينه، وهي لا تتوقف في كل الأحوال، إلا بعد أن تستقر فوق رماد الخراب والموت والدم والدموع .

الحسين الزاوي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أستاذ الفلسفة في جامعة وهران الجزائرية، باحث ومترجم ومهتم بالشأن السياسي، له العديد من الأبحاث المنشورة في المجلات والدوريات الفكرية، ويمتلك مؤلفات شخصية فضلا عن مساهمته في تأليف العديد من الكتب الجماعية الصادرة في الجزائر ومصر ولبنان

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"