المحاصصة المقبلة في سوريا

02:13 صباحا
قراءة 3 دقائق
حسام ميرو

ما عدا محافظة إدلب، وما تشكّله من عقدة، فإن الأوضاع العسكرية في سوريا، ومنذ نهاية «داعش» في الباغوز في دير الزور، في أواخر مارس/آذار الماضي، ذهبت إلى حالة من الاستقرار النسبي؛ حيث يهيمن النظام إدارياً على قسم كبير من البلاد، يمتد من الوسط حتى الغرب، مروراً بالعاصمة دمشق، والتي تمّ تأمينها؛ بعد إنهاء آخر معاقل المعارضة المسلحة في الغوطة الشرقية، وترحيل المقاتلين إلى محافظة إدلب، والتي أصبحت من الناحية العملية مستقرّاً لكل المقاتلين، الذين تمّ ترحيلهم من مناطق المصالحات.
من جهتها، تسيطر قوات «قسد»؛ (قوات سوريا الديمقراطية) على المناطق الموجودة شرقي الفرات؛ حيث تتواجد قوات أمريكية وأوروبية، مع غطاء جوي، جعل من تلك المناطق آمنة؛ بفضل قوات «التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب»؛ إذ تمّ تقسيم الأجواء السورية، منذ الدخول العسكري الروسي في سبتمبر/أيلول 2015، بين روسيا وقوات التحالف؛ حيث تسيطر القوات الجوية الروسية على كامل الأراضي السورية، ما عدا منطقة شرقي الفرات، الخاضعة لطيران التحالف الدولي.
مع بداية دخول القوات الروسية إلى سوريا، أطلقت الكنيسة الأرثوذكسية الروسية تصريحات، أيدت فيها إجراءات الجيش الروسي؛ حيث اعتبرت أن التدخل الروسي يأتي في سياق «حماية رعايا الصليب»، ولم يؤخذ هذا التصريح، من قبل أطراف عديدة، على محمل الجدّ، وأقصى التحليلات الوازنة آنذاك، ذهبت نحو اعتباره موجهاً نحو الداخل الروسي، أكثر مما يعبر عن سياسات يتبناها الكرملين؛ لكن تلك النبرة الموسومة بحماية الأقليات عادت مؤخراً، فقد صرّح، قبل أسابيع، المتحدث الرسمي باسم قاعدة حميميم الروسية في سوريا، أليكسندر إيفانوف، بأن «القوات الجوية الروسية تشنّ هجمات مركزة ومكثفة على مقاطعة إدلب، ردّاً على قصف مسيحيين أرثوذكس في مدينة محردة».
في باريس، عقدت جمعية «سيدة الجبل» اللبنانية، اجتماعاً تشاورياً تمهيدياً؛ هدفه التحضير لمؤتمر «المسيحيين العرب»، وقد ضمّ اللقاء شخصيات سورية مسيحية معارضة، لها تاريخ نضالي يساري، كما عَرفت تجربة الاعتقال في عهدي الرئيسين الأسد الأب والابن، إضافة إلى بعض الشخصيات المسيحية المعارضة الأقل وزناً وشهرة، وقد أصدر المجتمعون ورقة، قالوا في بندها الأول إن «المسيحيين يتعرضون في المنطقة إلى خطر وجودي».
كل هذه المعطيات تدفعنا لوضع إشارة استفهام كبيرة حول محاولة اقتسام ورقة الأقليات في سوريا بين روسيا من جهة، وأوروبا من جهة أخرى، وخصوصاً فرنسا، التي تمتلك تاريخاً موازياً في ذات الشأن في لبنان، وبالتالي فإذا كان المسيحيون الأرثوذكس في سوريا أقرب إلى روسيا، فإن قسماً آخر من الطوائف المسيحية، وخصوصاً الكاثوليك فإنهم سيكونون أقرب إلى فرنسا.
الأكراد في سوريا، ومنذ سنوات، يعانون انقساماً بين «حزب الاتحاد الديمقراطي»؛ وهو القوة المؤسسة الرئيسية لقوات «قسد»، المدعومة أمريكياً، و«المجلس الوطني الكردي» المدعوم تركياً، والأقرب فعلياً إلى رئاسة إقليم كردستان العراق، أما بالنسبة للسنة السوريين، فهناك قسمان، الأول خاضع بحكم الأمر الواقع للسياسات التركية، والآخر خاضع للحكومة السورية وسياساتها، يهيمن «الإخوان» المسلمون، بشكل واسع، على القسم الأول، بينما يشكل التجار والصناعيون الدمشقيون عصب القسم الثاني، وهم على علاقات مصلحية مع أطراف عديدة متناقضة.
وعلى غرار مشابه لاتفاق الطائف، ثمة من يدفع من القوى الإقليمية والدولية نحو حلّ سياسي يقوم على المحاصصة، وقد لا يكون شكلها الخارجي المعلن طائفياً وإثنياً؛ لكنها في العمق ستأخذ صيغة محاصصة طائفية إثنية؛ بعد صعود الهويات الفرعية، خلال السنوات الماضية؛ حيث تدعم كلّ دولة من الدول المنخرطة في الصراع السوري طيفاً دينياً مذهبياً أو إثنياً، فتركيا، تطمح للهيمنة على قرار قسم كبير من السنة والتركمان وقسم من الأكراد، بينما تدعم أمريكا قسماً من الأكراد والعشائر العربية، الموجودة في «قسد»، وتتولى روسيا رعاية قسم من السنة والعلويين والمسيحيين الأرثوذكس، بينما تطمح فرنسا لدعم ورعاية المسيحيين الكاثوليك، وربما الدروز في الجنوب.
هذه اللوحة، تستبعد إيران، بشكلٍ واسع، من المشهد، وهو ما قد ينجم عن نظام المحاصصة، وهو الأمر ذاته الذي ناقشه مستشارو الأمن القومي لأمريكا وروسيا و«إسرائيل» في القمة التي عقدت في القدس المحتلة في مايو/أيار الماضي، والتي بحثت تحجيم إيران في سوريا.
إذا ما حدث ونجحت مساعي القوى الإقليمية والدولية في إعادة تعريف السوريين عبر انتماءاتهم الضيقة، وإقامة نظام سياسي؛ يقوم على المحاصصة، فإن هذه الوصفة ستكون بداية لوأد أي حلم باستعادة سوريا كدولة، وتحويل المشرق العربي إلى جغرافيا تأكلها نيران صراعات ما قبل الدولة الوطنية، إلى أجلٍ غير معروف.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"