المرأة العربية وتحديات المستقبل

02:58 صباحا
قراءة 5 دقائق
الحسين الزاوي

تواجه المرأة العربية تحديات كبرى في مسار تطورها وصراعها التاريخي من أجل الحصول على حقوقها المدنية والسياسية، نتيجة للصراع الداخلي الحاد داخل المجتمعات العربية بشأن حق المرأة في العمل والدراسة وفي التحكم في مظهرها الخارجي، حيث إنه كلما اعتقد المجتمع أن المرأة العربية الحديثة استطاعت أن تتجاوز وضعها كجارية أو أنثى خاضعة لإرادة الرجل الذي يمارس الوصاية على وجدانها وعقلها وجسدها، إلا ونجد أن هناك من يطالب باستمرار أن يعاد النظر في الوضعية الاجتماعية والقانونية للمرأة، بحيث يظل مستقبلها مرتبطاً بكونها أماً عليها أن تلزم بيتها لتربية أبنائها.
ويبدو أن حال المرأة هي أشبه ما يكون بوضع الديمقراطية في سياق الممارسة السياسية، بحيث إنه كلما تراجعت مقاومة الشعوب من أجل الحصول على حقوقها في المشاركة السياسية، كلما تقلص معها هامش الحريات الديمقراطية المتاحة لها، والملاحظة نفسها يمكن أن نسجلها بشأن الحقوق المشروعة التي يتوجّب أن تحصل عليها المرأة، إذ يمكننا أن نلاحظ بكل يسر أن هامش الحرية المتاح للمرأة يتقلص كلما تصاعدت قوة التيارات السياسية ذات التوجهات الشمولية وبخاصة ما تعلق منها بقوى الإسلام السياسي، التي تركز الجزء الأكبر من جهودها من أجل توظيف ملف المرأة بغرض استمالة القوى الذكورية المحافظة التي يسوءها أن تتبوأ المرأة مكانتها المرموقة في مجال التعليم والعمل والممارسة السياسية.
علينا الإقرار في كل الأحوال، أن وضعية المرأة في المجتمعات العربية ما زالت تتميز بالكثير من السلبية والصور النمطية التي لا تنظر إلى المرأة إلا من منطق كونها عورة، الأمر الذي يفرض مسؤوليات جسيمة على النخب الثقافية والسياسية من أجل قطع الطريق أمام القوى التي تريد أن تعيد المرأة إلى وضعية السبية والجارية التي يحرمها الرجل من آدميتها وإنسانيتها ليعاملها كبضاعة مخصصة لإشباع غرائزه ونزواته.
ويمكننا القول إذا ما أردنا الدقة إن حقوق المرأة مهددة في كل العالم وليس فقط في الوطن العربي، فالقراءة الموضوعية لتاريخ صراع المرأة من أجل الحصول على حقوقها توضِّح أن صورة المرأة ظلت سلبية إلى حد بعيد حتى في المجتمعات الغربية إلى غاية الخمسينات من القرن الماضي، ولم تحصل المرأة الأوروبية على حقها في الانتخاب إلا في مرحلة متأخرة من حقبتنا المعاصرة. وقد استطاعت المرأة بفضل اجتهادها ومثابرتها أن تغيِّر الكثير من الصور النمطية المتعلقة بقدراتها الفكرية والعضلية، حيث أصبحت المرأة مكوِّناً رئيسياً من مكونات أغلب الجيوش العالمية بما في ذلك الجيوش العربية، وبيّنت الدراسات التي أنجزها علماء التربية، أن الإناث استطعن أن يتفوّقن على الذكور في أغلب مجالات التعليم والتحصيل العلمي، بما في ذلك التخصصات العلمية الدقيقة والصعبة التي كان يسود اعتقاد بشأنها أن القدرات العقلية للمرأة لا يمكن أن تؤهلها من أجل البروز والتفوق فيها، مثل الرياضيات والعلوم العقلية المحضة التي كان يتم الترويج بشأنها إلى أن المرأة لا يمكنها أن تنافس فيها الرجل. ومع ذلك فإن الإيرانية والمسلمة مريم ميرزقاني استطاعت أن تكون أول امرأة في العالم تحصل على أعظم وأكبر جائزة عالمية في الرياضيات تضاهي جائزة نوبل، لتبدد بذلك كل الشكوك المتعلقة بالقدرات الذهنية والعقلية للمرأة.
نلاحظ الآن أن الكثير من الدول العربية حاولت، في سياق متصل، أن تمارس ما يسمى بالتمييز الإيجابي لصالح المرأة من أجل دفع الأحزاب السياسية إلى ضمان أكبر نسبة ممكنة من التمثيل البرلماني للمرأة في الهيئات السياسية المنتخبة، حيث وصلت نسبة تمثيل المرأة في الجزائر حوالي 30 في المئة من العدد الإجمالي من مقاعد البرلمان، ورفعت المغرب نسبة تمثيل المرأة في كل المجالس المنتخبة، والشيء نفسه حاولت أن تقوم به مصر من أجل ضمان مشاركة أوسع للمرأة المصرية في تسيير شؤون الدولة والمجتمع، والشيء نفسه حرصت على تحقيقه مجمل الدول العربية وفي مقدمها دول الخليج العربي الذي تطورت فيها وضعية المرأة بشكل لافت، فقد اعتمدت دولة الإمارات العربية المتحدة سياسة رشيدة قائمة على تمكين المرأة من ممارسة حقوقها في مختلف المجالات التعليمية والثقافية وحتى في المجالات المرتبطة بالقيادة والتسيير، وحصلت المرأة السعودية على مكسب كبير تمثل في إصدار قرار يسمح لها بالترشح والتصويت في الانتخابات البلدية. وبالرغم من كل هذه المكاسب المهمة التي حصلت عليها المرأة العربية في السنوات الأخيرة، فإن الدراسات الاجتماعية التي تنشرها منظمات المجتمع المدني ما زالت توضح أن المرأة تمثل الحلقة الأضعف في المجتمعات العربية والإسلامية، بل إن هناك من يذهب إلى أنه وبموازاة هذه الحقوق التي أقرتها الدول الوطنية للمرأة العربية، فإن المجتمع العربي بتركيبته التقليدية المحافظة ما زال ينظر بعين الشك والريبة لكل محاولة تهدف إلى إعطاء المرأة مزيداً من الحقوق، ويرفض كل انتقاد ثقافي - فكري أو مجتمعي بشأن وضعيتها، وتقف التيارات المحسوبة على الإسلام السياسي في مقدمة التنظيمات المجتمعية التي ترفض كل انتقاد يتعلق بوضعية حقوق المرأة في المجال السياسي والاقتصادي مرددة بشكل تلقائي وفوري مقولة قديمة - جديدة مؤداها، أن الإسلام أعطى للمرأة حقوقها، وأصبحت هذه المقولة بمثابة حق يراد به باطل، متناسين أن المعركة تتعلق بحقوق المرأة عند المسلمين وعند كل من يدّعون تمثيل الدين، وليس بحقوق المرأة في الإسلام والبون شاسع وكبير بين النظرية والممارسة.
ولا نذيع سراً إذا قلنا إن المرأة العربية تجد نفسها في الكثير من الحالات مضطرة إلى التراجع عن حقوقها المكتسبة، والقبول بوضعيات كنا نظن حتى وقت قريب، أنها أضحت جزءاً من الماضي، فالمرأة العربية المتعلمة تُرغم بشكل مباشر أو غير مباشر على التفريط في حقها في العمل نتيجة لضغوطات العائلة والزوج، ونتيجة للمضايقات التي تواجهها في أماكن العمل نتيجة لهيمنة العقلية الذكورية، وتقبل بكثير من المهانة البقاء في البيت رغم أنها تملك في كثير من الحالات كفاءات مهنية وقدرات فكرية لا يمتلكها شقيقها الرجل. ويذهب الكثيرون إلى أن هامش الحرية الذي كان متاحاً للمرأة العربية في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، كان أفضل بكثير من هامش الحرية المتاح لها حالياً في العديد من المجتمعات العربية.
ونجد في السياق المتصل بهذه المقاربة، أن التنظيمات المتطرفة باتت تمارس الآن الكثير من السلوكيات المجحفة في حق المرأة، ويلجأ بعضها إلى بيعها في سوق النخاسة، ويؤكد كل ذلك أن المشكلة المتعلقة بالمرأة العربية لا تتصل فقط بوضعها القانوني الذي عرف قفزات كبيرة، بقدر ما يرتبط بالمخيلة وبالوعي الجماعي لقسم كبير من المجتمعات العربية التي تنظر إلى تحرر المرأة وكأنه مرادف للتفسخ والانحلال، وكأن قدر المرأة أن تُدفن حية لكي لا تثير الرجل، حتى ليُخيّل للمرء أن الرجل العربي مسؤول عن كل شيء في هذه الدنيا، باستثناء غرائزه التي يتوجّب على المرأة أن تتحمل وزرها بأن تتوارى خلف الستار وتغرب تماماً كما تغرب الشمس.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أستاذ الفلسفة في جامعة وهران الجزائرية، باحث ومترجم ومهتم بالشأن السياسي، له العديد من الأبحاث المنشورة في المجلات والدوريات الفكرية، ويمتلك مؤلفات شخصية فضلا عن مساهمته في تأليف العديد من الكتب الجماعية الصادرة في الجزائر ومصر ولبنان

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"