الممارسات الاحتكارية.. عود على بدء

02:07 صباحا
قراءة دقيقتين
د. حبيب الملا

تطرقنا في المقال السابق إلى بعض أنواع الممارسات الاحتكارية في قطاع مهم وحيوي هو قطاع المواد الغذائية. وأشرنا إلى تأثير تلك الممارسات في ارتفاع أسعار السلع وبالتالي حدوث موجة الغلاء التي أصبحت تئن من شدة وطأتها ميزانيات الغالبية الساحقة من الأسر. كما تطرقنا إلى مخالفة تلك الممارسات للقوانين ومنها قانون تنظيم المنافسة.
ولاحقاً على نشر المقال تلقيت اتصالات عديدة تذكر ممارسات احتكارية أخرى يمارسها وللأسف بعض التجار - ولا أقول كلهم - من الذين طغت عليهم النزعة المادية فأصبحوا يسعون لمضاعفة أرباحهم. وليس فقط تحقيقها - حتى وإن كان ذلك بأساليب أقل ما يقال عنها إنها احتيالية.
فمن ذلك مثلاً ما تقوم به بعض وكالات السيارات في الدولة - وأتحدث هنا عن وكلاء معتمدين مسجلين في وزارة الاقتصاد - وليس مجرد موزعين. إذ تقوم الشركة المنتجة للسيارات بإصدار نموذج جديد لسيارة ويكون الطلب عليها عالياً نظراً لرغبة الجمهور باقتنائها أولاً. ويحدث نتيجة لزيادة الإقبال على شراء مثل هذا الموديل من السيارة أن تفتح الوكالة في الدولة سجلاً يدون فيه الراغبون بالشراء أسماءهم لحجز أول دفعة تصل من تلك السيارة. والذي يحدث أنه نظراً لذلك الإقبال يرتفع سعر السيارة في السوق الثانوي. فإذا كان سعر السيارة لدى الوكالة مبلغاً معيناً فإن سعرها في السوق الثانوي يزيد بنسبة قد تصل أحياناً إلى 30% من قيمة السيارة.
وهنا تتفق بعض الوكالات مع معارض بيع السيارات على اقتسام تلك النسبة، فعندما يأتي الزبون لشراء السيارة من الوكالة يكون الرد بعدم توافرها مع أن السيارة تكون معروضة للبيع في معارض السيارات ولكن طبعاً بسعر يزيد عن سعر الوكالة، والسؤال هو كيف تكون تلك السيارة وهي من طراز حديث متوافرة في المعارض وغير متوافرة في الوكالة المعتمدة للسيارة؟!
وقد يقول البعض بأن هذه المعارض ربما تستورد السيارة من مصادرها الخاصة خارج الدولة، إلا أن ما ينفي ذلك ويؤكد شبهة التواطؤ بين الوكالة والمعرض هو أنه في بعض الحالات كانت المعارض تبيع السيارة بأوراق صادرة من الوكيل المعتمد مباشرة!! وهذا النوع من التحايل - وأسميه تحايلاً دون مواربة - وإن كان منتشراً في قطاع السيارات، إلا أنه يحدث وبشكل أقل في قطاعات أخرى من البضائع الثمينة التي يشتد عليها الإقبال.
إن هذه الممارسات - حتى وإن سلمنا جدلاً بأنها لم تخالف نصاً قانونياً مباشراً وصريحاً - إلا أنها تساهم بالارتفاع غير المبرر لكلفة السلع والبضائع وبالتالي استفحال موجة الغلاء التي تأكل الأخضر واليابس، وهذه الممارسات تفسر لماذا تكون أسعار السلع لدينا أعلى من مثيلاتها في الخارج مع أنها من نفس المصنع والمنتج والمورد ومع وجود ضرائب عالية في تلك الدول.
إن هذه الممارسات الاحتكارية لا بد أن يشملها بالتجريم قوانين حازمة تحمي المستهلك من تغوّل بعض ذوي النفوس الضعيفة من التجار، والدور يقع على عاتق وزارة الاقتصاد لتحديث القوانين التجارية وخاصة قوانين حماية المستهلك، لأنه لم يعد ممكناً الاعتماد على النوايا الحسنة للشركات والتجار في عالم رأسمالي جشع.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"