الممارسات الاحتكارية في المواد الغذائية

02:14 صباحا
قراءة 3 دقائق

حبيب الملا*
أصبح الغلاء مشكلة تتفاقم يوماً بعد يوم. وتحتل مدن الإمارات مراكز متقدمة في قائمة أغلى مدن العالم على الرغم من عدم وجود ضريبة دخل حتى الآن، وعلى الرغم من أن ضريبة القيمة المضافة لدينا لا تتعدى نسبة 5% قياساً ب 15% أو 20% أو حتى 27% في بعض الدول. وأصبح الغلاء عاملاً طارداً للاستثمار. ولقد قامت الحكومة بمبادرات متعددة في الفترة الأخيرة؛ من خلال الإعفاءات وتجميد بعض الرسوم؛ سعياً منها لكبح جماح الغلاء، الذي بات يسبب قلقاً على مستوى جميع المقيمين في الدولة.
وإذا كان الغلاء مشكلة فإنه يعد مشكلة أكبر عندما يتعلق الأمر بالمواد الغذائية خصيصاً لأنه يمس حاجة يومية لا يمكن الاستغناء عنها. وما زلت أذكر مقارنة عقدها أحد المواطنين ونشرها على «تويتر» بين سعر إحدى أنواع البيتزا الجاهزة في ألمانيا، وسعر ذات البيتزا في أحد محال السوبر ماركت الشهيرة لدينا؛ إذ بينما لم يتجاوز سعر تلك البيتزا في ألمانيا مع الضرائب العالية والمتعددة مبلغ 1.75 يورو (7.5 درهم)، بلغ سعرها لدينا 22.2 درهم! وقس على ذلك جميع أنواع السلع الغذائية.
وهذه حالة غير طبيعية وغير قابلة حتى للاستمرار. ولقد أبلغني أحد كبار مستوردي السلع الغذائية، أن المشكلة ليست في أسعار الاستيراد أو في أسعار البيع للمنافذ، وإنما تكمن المشكلة في بعض الممارسات، التي تقوم بها محال السوبر ماركت الكبرى والجمعيات «التعاونية». فهذه تفرض فيما بينها أسعاراً معينة يجب على التجار ومستوردي المواد الغذائية الالتزام بها، وتمنعهم من بيع المواد الغذائية بأسعار أقل من تلك التي تحددها تلك الجمعيات ومحال السوبر ماركت الكبرى. ولو اكتشفت إحدى هذه المحال أن التاجر باع بأسعار أقل لمنفذ آخر، فإنها تقوم بمقاطعة بضائعه. كما تفرض هذه المحال رسوماً عالية على عرض البضائع على أرففها، وتأخذ نسبة من المبيعات، إضافة إلى نسبة أخرى لو زادت المبيعات على أرقام معينة. وهذه الممارسات التي يندر وجودها في مكان آخر هي العامل الرئيسي في ارتفاع أسعار المواد الغذائية لدينا إلى أسعار خيالية. ولو ألقينا نظرة واحدة على أسعار أي صنف من المواد الغذائية لدينا مقارنة بأسعارها في أية دولة أوروبية لهالنا هذا الفارق الكبير في الأسعار.
إن الدور يقع على وزارة الاقتصاد؛ لتحرك وتجابه هذه الممارسات. فالأمر تجاوز حقوق المستهلكين، وأصبح يمس مركز الدولة التنافسي، وقدرتها على جذب الكفاءات البشرية والاستثمارات في ظل غلاء فاحش لا يرحم. والوزارة تملك الأدوات التنفيذية لذلك. فمثل هذه الممارسات الاحتكارية يمنعها القانون؛ بل ويجرمها؛ إذ تنص المادة 5/1 من القانون الاتحادي رقم 4 لسنة 2012 في شأن تنظيم المنافسة على الآتي: «تحظر الاتفاقات المقيدة بين المنشآت، والتي يكون موضوعها أو الهدف منها الإخلال بالمنافسة أو الحد منها أو منعها، وعلى الأخص تلك التي تستهدف ما يأتي:
أ تحديد أسعار بيع أو شراء السلع أو الخدمات بشكل مباشر أو غير مباشر بافتعال الزيادة أو الخفض أو التثبيت بما يؤثر سلباً على المنافسة. ب تحديد شروط البيع أو الشراء أو أداء الخدمة وما في حكم ذلك».
كما تنص المادة (2) من ذات القانون على أنه يهدف إلى «المحافظة على سوق تنافسية محكومة بآليات السوق بما يتفق مع مبدأ الحرية الاقتصادية من خلال حظر الاتفاقات المقيدة، وحظر الأعمال والتصرفات التي تفضي إلى إساءة استغلال لوضع مهيمن، ومراقبة عمليات التركز الاقتصادي، وتجنب كل ما من شأنه الإخلال بالمنافسة أو الحد منها أو منعها».
فهل تتحرك الوزارة وتواجه هذا الغول الذي يأكل الأخضر واليابس؟

*محام وكاتب إماراتي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"