المناخ كسبب من أسباب الحرب السورية

02:20 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. غسان العزي

خلال تصفحي لأرشيفي في الإنترنت وقعت على مقال لافت للباحث الفرنسي المختص بالجيوبوليتيك والزراعة والمياه «بيار بلان» منشور في صحيفة «لاكروا» الفرنسية في ١٧ مارس/آذار ٢٠١٠ تحت عنوان «الجفاف في سوريا، عامل عدم استقرار في الشرق الأوسط». يعبر بلان في هذا المقال عن دهشته من الفجوة ما بين الوقائع وما يروج له النظام السوري عن الوضع الاقتصادي في سوريا. ويقول بأن الجفاف ليس ظاهرة استِثنائية في سوريا. فبين العامين ٢٠٠٦ و٢٠١٠ عانى المزارعون السوريون من أربع سنوات متعاقبة من الجفاف.وسوريا هي جزء من «النقاط الساخنة للاضطرابات المناخية في العالم» حيث تندر الأمطار أحياناً وترتفع في الوقت نفسه درجات الحرارة ما ينتج جفافاً لا يطاق.
النتائج الاجتماعية لهذا الجفاف كانت كارثية: مليونا شخص وقعوا في الفقر وأكثر من مليون مزارع سوري تركوا الأرياف ليتسكعوا في المدن بحثاً عن أي عمل يقيهم شر الجوع. في درعا جنوبي البلاد كان هناك عشرات الآلاف من هؤلاء أضحوا عاطلين عن العمل ومن دون أي مورد مالي تقريباً،لم تهتم بشأنهم السلطات. وفي مارس/آذار ٢٠١١ تم اعتقال عدد من المراهقين وإخضاعهم للتعذيب فقط لأنهم كتبوا على الجدران شعارات مناهضة للنظام. كان ذلك بمثابة الشرارة التي أشعلت الثورة الشعبية.

بالطبع لا يكفي العامل المناخي لشرح ما حدث ويحدث في سوريا،إذ تنبغي العودة إلى الوراء، إلى حين وصول حزب البعث إلى السلطة في العام ١٩٦٣، وهو تشكيل حزبي جذوره زراعية كون معظم كوادره أتوا من الأرياف (أنظر أبحاث حنا بطاطو في هذا المجال). وقد رفع الحزب شعار الاكتفاء الذاتي الزراعي ووضع سياسة زراعية ومائية استباقية. لقد غدا الأمن الغذائي أساساً لاستقلال البلاد، في مفهوم الحزب. وشرع النظام ببناء السدود والمحطات الكهرومائية وغيرها. وقامت الدولة بدعم المحروقات لمساعدة المزارعين على سحب المياه الجوفية من أعماق بعيدة في بعض الأحيان.
كذلك قام النظام بتطوير الزراعات التي تتطلب الكثير من المياه، في شمالي شرقي البلاد. وعندما وصل بشار الأسد إلى السلطة شرع بتطبيق الليبرالية الاقتصادية،قبل أن يتبين بأن هذه الأخيرة لم تكن سوى وسيلة لوضع اليد على موارد البلاد من قبل الجماعة الحاكمة. وقد تم توزيع رخص التنقيب والحفر بكميات كبيرة على المحسوبين والمحازبين والمقربين من النظام. فماذا كانت النتيجة؟ أخذت البحيرات الجوفية تجف تدريجياً علماً بأن جفاف بعضها كان قد بدأ منذ العام ٢٠٠٠ بحسب الخبراء. وفي هذه الظروف كان من الصعب بل المستحيل التكيف مع الجفاف طوال سنوات أربع متعاقبة. وفي مواجهة هذه الكارثة لم تتحرك الدولة السورية في الوقت المناسب بسبب رفضها الاعتراف بوجود مشكلة حقيقية، فالأنظمة التسلطية ترفض الاعتراف بإخفاقاتها ومعضلاتها وتعمل على التعتيم عليها بدل مواجهتها، في غياب نظام للإنذار المبكر في جو من الشفافية الضرورية على مستويات الإدارة كافة. لذلك فإن الحكام المستبدين هم أقل قدرة من غيرهم على القيام بردود فعل ملائمة وفي الوقت المناسب لمواجهة التغيرات المناخية، كما يقول بيار بلان.
في العام ٢٠٠٨ وجدت الدولة السورية نفسها أمام ضرورة اللجوء إلى برنامج الغذاء العالمي، ما يعني أنها فشلت تماماً في تحقيق الإنماء المتوازن والتنمية الزراعية. وبالطبع فإن هذا ليس السبب الوحيد للانتفاضة الشعبية والتي لا يمكن شرحها إلا من خلال تجمع أسباب كثيرة اقتصادية واجتماعية وسياسية وغيرها. فالأزمة في الريف هي أحد الأوجه العديدة للأزمة العامة في البلاد، لكن يضاف إليها الرفض الشعبي للدكتاتورية والفساد والمحسوبية والظلم وغيره. عجز النظام عن ضمان «الأمن الإنساني»، بما فيه الأمن الغذائي والمائي وغيره، لشعبه أدى إلى الإخلال بالعقد الاجتماعي الذي كان يعني، في ما يعني، قبول الشعب بالتضييق على حرياته في مقابل الازدهار الاقتصادي والاجتماعي الذي وعد به النظام.
المجتمع الدولي لم يتوقع انفجار الوضع السوري لأن المقاربة التي اعتاد عليها المحللون الدوليون تقوم على تحليل موازين القوى واستقرار الأنظمة والمشاكل السياسية وما شابه، دون أن تضع في عين الاعتبار عناصر أخرى مثل تداعيات الاضطرابات المناخية وأثرها على الموارد الاقتصادية، على سبيل المثال.
لذلك فان التأسيس لسلام دائم في سوريا لا يمكن من دون مفاوضات حول تقاسم المياه مع تركيا والتي تنعكس مشاريعها المائية الكبرى (مثل سد أتاتورك في الأناضول) بطريقة جد سلبية على منسوب نهر الفرات الذي تتقاسمه تركيا مع العراق وسوريا. واليوم يميل ميزان القوى لمصلحة تركيا، لذلك ينبغي أن يتدخل المجتمع الدولي في هذه القضية لأن فقدان الأمن في سوريا ينعكس سلباً على السلم والأمن الدوليين ولا يبقى في داخل الحدود السورية،كما نرى اليوم.
لذلك يدعو الباحثون المختصون بجيوبوليتيك الزراعة والمياه إلى أن تؤخذ التغيرات المناخية بعين الاعتبار في التحليل الجيوبوليتيكي وقراءة أسباب الأزمات السياسية والنزاعات العسكرية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"