المنسيون في المأساة السورية

03:22 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق

أنهار من المداد سالت على صفحات الجرائد العالمية، وساعات بلا حصر من الإرسال بثتها التلفزيونات تعليقاً وتحليلاً وشرحاً للتطورات الأخيرة في سوريا. كتب الخبراء وتحدثوا عن تداعيات ونتائج ودلالات التصعيد العسكري، وتوقعاتهم عن مستقبل الصراع، وتوازنات القوى، وحسابات الأطراف المتناحرة. توقفوا كثيراً عند معنى وأهمية سقوط الطائرات الروسية والتركية و«الإسرائيلية» والإيرانية، وهل يمكن أن يؤدي هذا التصعيد إلى صدام مباشر بين القوى الإقليمية أو الدولية المنغمسة في القتال.
لم يدخر المحللون والخبراء جهداً في الشرح والتمحيص والتدقيق. ولم يتركوا كبيرة أو صغيرة دون تحليل. شيء واحد نسيه الجميع أو تجاهلوه: الشعب السوري.
كشفت تحليلات الخبراء عن عقولهم المتوهجة بالذكاء، وكشفت أيضاً عن ضمائرهم المستغرقة في سبات عميق. السياسيون بالطبع أقل اكتراثا بالكارثة الإنسانية، ولا يعنيهم كثيراً أن ما يزيد على ألف قتيل سقطوا في سوريا خلال الأسابيع الأخيرة فقط.
لم يتحدث أحد عن معاناة الشعب المنكوب بهذه الصراعات، التي تجري على أرضه بين أطراف محلية وإقليمية ودولية تختلف حول كل شيء، وتتفق على قتل السوريين أو على الأقل تركهم يموتون.
سجل الضحايا يثبت حقيقة محزنة ومخزية هي أن كل الفرقاء تلوثت أياديهم بالدماء. كلهم شاركوا في استباحة أرواح هذا الشعب، ليكتبوا معاً حاضراً مأساوياً يضارع في قتامته أسوا تجليات التراجيدية الإغريقية.
الأرقام التي أعلنتها اللجنة السورية لحقوق الإنسان في الأسبوع الماضي، تكشف عن البعد العالمي لحمامات الدم المسفوح في سوريا. تقول اللجنة إنه من بين 718 شهيداً مدنياً سقطوا في يناير الماضي، كان هناك 116 قتيلاً بسبب الغارات الروسية، بينما أدى القصف التركي إلى مصرع 37 وتسببت غارات التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة في قتل 15، بينما تكفلت قوات سوريا الديمقراطية (الكردية) بقتل تسعة. وبالطبع لم يخرج تنظيم «داعش» صفر اليدين من حفل القتل هذا، إذ كانت حصيلة عملياته 56 قتيلاً.
لا يموت السوريون بالقنابل فقط فمن كتبت له النجاة منها يمكن أن يسقط صريع المرض بسبب نقص الخدمات الطبية والأدوية وهو ما تؤكده اللجنة، التي تشير إلى أن عدد القتلى الذين سقطوا في يناير يشمل 109 أطفال و127 سيدة.
لا يتضمن تقرير اللجنة إحصاء بعدد من قتلتهم القوات الحكومية. إلا أن تقريراً آخر أصدره المرصد السوري لحقوق الإنسان تحدث عن هذه النقطة جزئياً مكتفياً بما يحدث في غوطة دمشق. أوضح التقرير أن نحو 760 مدنياً قتلوا بينهم 300 طفل، وأصيب أكثر من 2200 آخرين خلال ثلاثة أشهر من الحصار والقصف العنيف من جانب القوات الحكومية على المنطقة.
لا يتسع المقام لسرد تفاصيل كثيرة عن معاناة السوريين وضحاياهم ونكتفي بالإشارة إلى الإحصاء الذي كان البنك الدولي قد أصدره العام الماضي وجاء فيه أن ما يقرب من 400 ألف سوري قتلوا منذ اندلاع الحرب في 2001. بينما تحصي منظمة حقوق الإنسان الدولية «هيومان رايتس وواتش» ما يربوا على خمسة ملايين طالب لجوء، وستة ملايين نازح، إضافة إلى 540 ألفاً يعيشون ظروفاً بالغة الصعوبة والقسوة في مناطق محاصرة.
وثمة تقارير أخرى كثيرة تؤكد أن عدد ضحايا الحرب من القتلى والمصابين أكبر بكثير من الأرقام المعلنة. وتشير دراسة للمركز السوري للبحوث السياسية إلى أن 11,5 % من سكان سوريا قتلوا أو أصيبوا منذ بداية القتال، إضافة إلى تدمير شبه كامل للبنية التحتية والمرافق، وانهيار كامل للخدمات العامة في أنحاء البلاد.
لا يهم كثيراً بعد ذلك أن نعرف من يحارب من في سوريا فكلهم يقتلون السوريين العزل. هذه ليست حرباً، إنها جريمة إبادة شعب وتدمير وطن. ولا نملك غير أن نترحم على الشهداء السوريين وعلى الضمير العالمي أيضاً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"