المنطقة تحت وطأة التصعيد

03:45 صباحا
قراءة 4 دقائق

بينما ينهمك العالم العربي في شؤونه الداخلية، فإن تل أبيب تنصرف إلى تعزيز مركزها الإقليمي بتهديد إيران، ومطاردة فلسطين لمنع الاعتراف بدولتها في الأمم المتحدة، مع مضاعفة الاستيطان في الأراضي المحتلة .

تهديد طهران ينطلق من خلفية الملف النووي لهذه الأخيرة ويتخذ منه شعاراً وهدفاً للحملة، ويتغذى من عزلة طهران في المنطقة بعد الإعلان عن محاولة استهداف السفير السعودي في واشنطن .

يسترعي الانتباه هنا أن الطرفين في تل أبيب وطهران يقومان بعملية خلط أوراق خطيرة . فتل أبيب متمسكة بمسعاها للتفوق المطلق على جميع دول المنطقة، غير عابئة بالتحول العربي الذي يحمل بذور يقظة متجددة ضد الأطماع الصهيونية، وإيران لا تكتم طموحها لتعزيز نفوذها هنا وهناك في المنطقة، وبغير أن تتوقف عند واقع التهميش الذي ألحقته بها موجة الربيع العربي .

في هذه الظروف غير المسبوقة تُسعّر تل أبيب حملتها ضد الوجود الفلسطيني مادياً ورمزياً . مادياً بالاستيلاء على المزيد من الأرض، والإعلان المتكرر عن بناء وحدات استيطانية إضافية في القدس ومناطق أخرى من الأرض المحتلة، وتلقى إدانات لفظية من واشنطن ولندن وباريس، بما يوفر لها أجواء مثالية، فالإدانات كالعادة هي محض تصريحات اعلامية تبرىء ذمة أصحابها كما يخالون، وللكل بعدئذ أن يفكر ويعمل بما يراه مناسباً، وتل أبيب ترى من المناسب أن تواصل منفردة الغزو الاستيطاني ومن دون توقف تطبيقاً للحلم الصهيوني .

أما الحملة السياسية على الانضمام الفلسطيني إلى الأمم المتحدة ومنظمة اليونسكو، فلا تخوضها تل ابيب منفردة، إذ تلقى دعماً مطلقاً ومشيناً من إدارة أوباما التي تتصرف كأن المعركة معركتها والقضية قضيتها، وكأن الاعتراف الدولي بقضية فلسطين يشكل تهديداً للأمن القومي الأمريكي . حتى إن سيد البيت الأبيض نفسه قام بإرسال رسالة إلى قادة دولة البوسنة بهذا الخصوص وهي بالمناسبة دولة ناشئة حديثة الاستقلال شاركت في تقاسم ارث الاتحاد اليوغسلافي السابق مع كوسوفو والجبل الأسود . وإذ يعترف الرئيس الديمقراطي بتحولات التاريخ والجغرافيا في البلقان، فإنه وهو المتصهين حديثاً يرفض رؤية تحولات في الشرق الاوسط تفضي لمنح شعب فلسطين حقه في إقامة دولته، ويستثني فلسطين من الربيع العربي ويهددها بخريف دائم، خلافاً لوعود ومحاضرات وتعهدات طالما أطلقها من قبل، دعت لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، واعتبر صاحبها قيام دولة فلسطين مصلحة أمريكية .

في سياق آخر غير منفصل تمام الانفصال، يتعهد أوباما بممارسة ضغوط لم يسبق لها مثيل على طهران كما صرح عقب لقاء جَمَعه بساركوزي الخميس الماضي 3 نوفمبر/تشرين الثاني . وقد كان يُمكن فهم هذا التصعيد في إطار الضغوط الغربية المعاكسة للطموحات الإيرانية النووية، غير أن الأمر يتعدى ذلك إلى التساوق الأمريكي البارز مع طموحات تل أبيب، لتعزيز نفوذها في المنطقة بما في ذلك بالطبع النفوذ النووي . وهي طموحات باتت تقترن بتهديدات عسكرية علنية تطلقها حكومة نتنياهو، حتى إن اعضاء هذه الحكومة أخذوا يصوتون على قرار الحرب، ويرجحون كفة رئيسهم الذي لا يكتم قراره بالحرب حتى لو خاضتها الدولة الصهيونية منفردة، بما يظهر إلى السطح تباينات قديمة ومتجددة مع واشنطن حول التصعيد العسكري، وهو ما كشفت عنه تصريحات لقادة عسكريين أمريكيين وضع أصحابها جميع الخيارات على الطاولة، باستثناء الخيار العسكري . وفي الإطار الأطلسي قال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) أندريس فوغ راسموسين الخميس ان الحلف لا نية له على الإطلاق في التدخل في إيران، وتأتي تصريحات راسموسين عقب أنباء تحدثت عن ان بعض الحكومات تخطط لضربة استباقية للمنشآت النووية الإيرانية . غير أنه من الواضح أن التصعيد مطروح، وإذا كان الخيار العسكري المباشر أو الشامل مستبعداً، فإن الاقتراب منه ليس محرماً لدى الدوائر الأمريكية، وهو ما تنبىء عنه تصريحات لخبراء أمنيين في الكونغرس بالدعوة العلنية لاغتيال قادة إيرانيين . بل إن الإعلان عن ضغوط لا مثيل لها ينبىء بعمل عسكري أمريكي ما يجري التحضير له، مع غض واشنطن عملياً النظر عن ضربات عسكرية إسرائيلية لمنشآت ومواقع إيرانية، والنأي سياسياً ودبلوماسياً عن إظهار التنسيق الفعلي بين الجانبين، خشيةً من مضاعفاته على وضع القوات الأمريكية في العراق وربما في افغانستان أيضاً، وفي وقت تقترب فيه الانتخابات الرئاسية الأمريكية، فإذا ما أظهر الرئيس أوباما تردداً في دعم استهداف إيران، فإن فرص فوزه في تجديد رئاسته سوف تضعف لمصلحة الجمهوريين .

خلال هذا يتم ترقب التقرير الجديد للوكالة الدولية للطاقة الذرية المنتظر صدوره في غضون أيام معدودات، من أجل الارتكاز عليه لتشريع ضربة عسكرية تزداد احتمالاتها، خاصة أن التسريبات تتحدث عن مزيد من التقدم في البرنامج النووي الإيراني سوف يعكسها التقرير المنتظر . ومن اللافت بعد هذا كله أن موجة التهديدات والردود الإيرانية الحازمة والمتشددة عليها، توفر لهذه الأطراف فرصة استعراض القوة على المسرح الإقليمي، والضغط على عموم المنطقة، من دون منح أطراف آخرين هم شعوب ودول المنطقة حق الاعتراض على المخططات العسكرية، وعلى البرامج النووية الإسرائيلية والإيرانية، وهو ما يدفع بالأوضاع نحو المجهول .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"