الناتج المحلي ودجاجة الرئيس هوفر

03:00 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عبد العظيم محمود حنفي *

تتساءل بعض الدراسات لماذا لم يتفق ذهن شخص ذكي مثل أرسطو عن مفهوم إجمالي الناتج المحلي منذ 2000 عام وخاصة أن كلمة اقتصاد economy مشتقة من الكلمة اليونانية oikos، ويرون أن السبب هو أن أرسطو كان يركز على الأشياء التي تتحرك كالأقمار والكواكب، وأنه على مدى 50 ألف سنة تقريباً لم يتغير مفهوم إجمالي الناتج المحلي، ففي أيام أرسطو لم تكن هناك محطة تليفزيونية عالمية تعلن حدوث تقلبات في إجمالي الناتج المحلي ولم يكن هناك من يتوقع أن يعيش في ظروف أفضل من ظروف والديه. وبالطبع كان الناس يهتمون بالنقود والديون وفي الفترة ما بين 1500 - 1599، طلب الملك هنري الثامن إلى أمناء خزائنه مراقبة التكاليف المتراكمة في الداخل وأثناء الحروب مع فرنسا، لكن لم يدر بخلده أن يسأل عما إذا كان نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي قد زاد عن العام الماضي.. وقد نشأ مفهوم إجمالي الناتج المحلي في القرن العشرين، وأضحى يهدد كل ثلاثة أشهر بالإطاحة برؤساء الوزرات إذا كان إجمالي الناتج المحلي قد انخفض بدرجة لافتة، ويتباهى المسؤولون في الصين بقوة إجمالي الناتج المحلي لديهم. لكن بعض الدول تقوم بالتلاعب بإجمالي الناتج المحلي بعضها يفعل ذلك للحصول على منح وهبات خارجية. وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي، اكتشف أن كتب الاقتصاد المدرسية القديمة كانت تشير إلى أن اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية كان يتمتع بمعدلات نمو قوية في ظل الحكم الشيوعي. بل إن أحد الكتاب الحائزين جائزة نوبل مثل بول صمويلسن، نشر تلك الأرقام المشكوك فيها ويستنتج بعض الاقتصاديين في معهد تشاتم هاوس الأمر بأن مشكلة الشيوعية لم تكن في عدم قدرتها على مواكبة الغرب، وإنما عدم قدرتها على معايير عام 1917.
ومن مشكلات إجمالي الناتج المحلي، طريقة حساب إجمالي الناتج المحلي وهو ناتج (الاستهلاك + الاستثمار + الإنفاق الحكومي + صافي الصادرات) وهو ما يعطي لقادة الحكومات حافزاً لإنفاق مزيد من الأموال بسبب أن زيادة الإنفاق الحكومي تزيد ذلك المجموع من باب تحصيل الحاصل وكل ما على القائد فعله هو أن يفتح صنبور الإنفاق، وبإمكانه أن يعول على عداداته البدائية لزيادة إجمالي الناتج المحلي، وعلاوة على ذلك تحسب قيمة الإنقاق الحكومي على أساس مرتبات العاملين في الحكومة وليس إنتاجهم ولذا في ضوء طريقة الحساب هذه التي تعتمد على فكرة تحصيل الحاصل فإن القادة المستعدين للنظر في تنفيذ إجراءات تقشفية في المالية العامة بين الحين والآخر يستحقون أوسمة خاصة. وهناك العديد من المفارقات في مشكلات إجمالي الناتج المحلي من قبيل زواج الأرمل بمدبرة منزله مما يؤدي إلى خفض إجمالي الناتج المحلي لأنه يكف عن دفع أي أجور لها. وفي العشرينات كانت حملة الرئيس الأمريكي هربرت هوفر قد وعدت بتوفير «دجاجة في كل قدر» وفي كل الأيام كان شراء دجاجة يتطلب العمل لنحو ساعتين ونصف الساعة، واليوم يتطلب ذلك أقل من 15 دقيقة. وهناك صعوبة خاصة في تقييم الخدمات على النحو الواجب في الاقتصاد القائم على المعلومات. وهناك مفاهيم أخرى منافسة لإجمالي الناتج المحلي، بما في ذلك دليل التنمية البشرية، ومقياس الرفاه الاقتصادي، ومؤشرات منتقاة لمؤشر السعادة. فعلى سبيل المثال صنف مؤشر الكوكب السعيد كوستاريكا في أعلى المراتب على مستوى البلدان ولم تبتعد عنها كوبا كثيراً وكان ترتيب الولايات المتحدة في القائمة 114. وتفضل بعض الدول مثل فنزويلا الأخذ بتلك المؤشرات مع التشكيك بمفهوم إجمالي الناتج المحلي الذي وصفه الزعيم الفنزويلي الراحل هوجو شافيز بأنه «مؤامرة رأسمالية». ولذا يرفع بعض المحللين الاقتصاديين رايات الإنذار بشأن زوال مفهوم إجمالي الناتج المحلي.

* كاتب وباحث أكاديمي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"