النمو الذي تحركه التكنولوجيا

00:31 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عبد العظيم محمود حنفي

يشبه النمو الاقتصادي مادة تشحيم اجتماعية تعمل على تليين التوترات في الوقت الذي تشيع فيه الأمل في الشعوب، فالمجتمعات التي يتجمد، بل وأسوأ من هذا يتدهور فيها نصيب الفرد من الدخل، لا يمكن أن تقنع شبابها أن ثرواتها الاقتصادية سوف تتحسن عندما يكبرون، ودون الأمل قلما توجد إن لم تنعدم روح السعي لتحسين مستوى المعيشة للفرد، بمعنى أن عدم وجود نمو يمكن أن يصبح في حد ذاته عقبة أمام التقدم الاقتصادي أو ما هو أسوأ من ذلك، ذلك أن النمو البطيئ يمكن أن يوفر البيئة التي تغذي عدم الثقة، بل وفي الأغلب الكراهية، لا سيما إذا اقترن ذلك بزيادة عدم المساواة، وليس من قبيل المصادفة أن بعضاً من أسوأ فترات التعصب نحو الأمريكان الأفارقة والمهاجرين فيما بعد الحرب الأهلية في تاريخ الولايات المتحدة (أواخر القرن التاسع عشر .
وفي الثلاثينات والسبعينات وأوائل الثمانينات من القرن العشرين)، حدثت خلال فترات النمو البطيئ أو السلبي، وأسوأ مثال على ذلك كان بالطبع قيام النازية في ألمانيا عقب الحرب العالمية الأولى، عندما كان هذا البلد غارقاً في التضخم المفرط وركود النمو وفي النهاية الكساد الاقتصادي.
وبعد الأزمة المالية العالمية عام 2008 تزايدت في الدول الأوروبية نزعة قوية من المشاعر المناهضة للهجرة والمهاجرين، والعكس قد يكون صحيحاً بالنسبة للاقتصادات الآخذة في النمو، فهذه الاقتصادات لديها فرصة طيبة لتستفيد من الدائرة الحميدة، حيث إن الشباب يمكن أن يعولوا على أنهم سيعيشون حياة أفضل على افتراض أنهم سيعملون جادين لتحقيق ذلك، فالزائرون للهند أو الصين أو أيرلندا أو الإمارات العربية المتحدة على سبيل المثال، يتحدثون عن الحيوية والإحساس بالإثارة اللذين لا يسمع عنهما المرء في أوروبا الغربية، وهي الدول الغنية بالنسبة لتوزيع الدخل في العالم، كما لا يسمع عنهما في كثير من دول أمريكا اللاتينية أو إفريقيا، وهي الدول الأقل من ناحية توزيع الدخل في العالم، إن النمو يتيح فرصاً تقوم بدورها بإطلاق العنان، ليس للأمل فحسب، بل وكذلك لأخلاقيات العمل التي تساعد على تحويل الفرص إلى واقع، ويوجد الكثير من هذه الطاقة في تجمعات التكنولوجيا العالية؛ فالنمو الذي تحركه التكنولوجيا ضروري، فبدون الاكتشافات المهمة في العلوم الطبية لن يكون من الممكن توفير الرعاية الصحية لجيل من المسنين دون التسبب في إفلاس الشباب، ودون النمو الاقتصادي السريع الذي تحركه التكنولوجيا الجديدة لن يكون من الممكن الحد من الفقر أو أن نضمن للجيل القادم حياة أفضل من حياتنا الحالية إن مجرد ذكر الأمل في تحسين تكنولوجيات المستقبل يستدعي السؤال: من الذي يقوم بعملية التحسين الاقتصادي تلك؟ وكيف يمكن إدخال هذه التكنولوجيات للاقتصادات؟
بالنسبة للسؤال الأول يوافق خبراء الاقتصاد بوجه عام على أن التطور التكنولوجي مرتبط بشكل مرن بالاستثمار، وذلك أثناء اكتشاف تكنولوجيات جديدة، أو أثناء البحث والتطوير، ولكن السؤال الأكثر أهمية يتعلق بالظروف التي يتم في ظلها إدخال التكنولوجيات الجديدة واستعمالها في الاقتصادات، وهذا هو السؤال المفتاح الذي يتبارى فيه المحللون لتقديم الإجابة عليه، كل من منظاره، ولكن الثابت أن الإجابة عن هذا اللغز تعتمد كثيراً جداً على كيفية تنظيم النظام الاقتصادي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"