الوحدة الفلسطينية.. بين التشريعية والرئاسية

04:43 صباحا
قراءة 3 دقائق
إلياس سحّاب

لعله لم يسبق لوحدة العمل الفلسطيني أن مرت بمأزق مسدود كما تمر في الفترة الراهنة، وذلك طوال تاريخ العمل الفلسطيني الحديث، ولا حتى القديم، الذي يمتد قرناً من الزمان.
ومناسبة هذا الحديث هو انطلاق الكلام منذ مدة، على إجراء انتخابات تشريعية فقط، كما تصر حركة فتح، أو إجراء انتخابات شاملة تشريعية ورئاسية، على أن يتم الأمران معاً، أو لا يتمان أبداً، كما تطرح حركة حماس. وخلاصة موقف كل من الحركتين الرئيسيتين في العمل الفلسطيني واضحة كل الوضوح، وصريحة كل الصراحة.
فحركة فتح، تتمسك بزعيمها أبو مازن رئيساً دائماً للسلطة الفلسطينية، لا نقاش في رئاسته، حتى لو كانت قد مرت على انتهاء الفترة القانونية لهذه الرئاسة سنوات طويلة، أما إصرارها بعد ذلك على إجراء الانتخابات التشريعية، فهو أن المجلس التشريعي، انتهت هو الآخر فترته القانونية منذ سنوات. وهنا تراهن حركة فتح على أن التطورات السياسية المهمة التي مرت خلال السنوات الماضية، ربما جاءتها بمجلس تشريعي جديد تقل فيه غالبية حركة حماس، أو حتى (في أحس الاحتمالات) تتلاشى هذه الغالبية لصالح حركة فتح.
وعلى هذا النسق تماماً يأتي موقف حركة حماس، التي تعتقد أن إجراء انتخابات رئاسية جديدة يحمل فرصة قوية برأيها لتغيير المسار جذرياً في موقع الرئاسة، من صالح حركة فتح لصالح حركة حماس.
إن وضوح الدوافع وراء موقف كل من حركة فتح وحركة حماس، هو الذي يقف سداً منيعاً وراء فشل كل المحاولات المصرية بالذات التي تبذل منذ سنوات طويلة لمحاولة فرض أجواء مناسبة لقيام وحدة قوية للعمل الفلسطيني.
إنه صراع يبتعد مسافة غير قليلة عن أساسيات القضية الفلسطينية واضحة المعالم، بغض النظر عن متطلبات وقواعد الصراع الحزبي بين الحركتين. ومع ذلك، فهو المرشح للاستمرار أكثر من أي مسار آخر، رغم التململ الواضح لجماهير الشعب الفلسطيني، التي أصبحت ترى نفسها أسيرة لهذا الصراع بين الحركتين.
أما على جانب الحركتين الممسكتين بزمام السلطة في كل من الضفة الغربية (فتح)، وقطاع غزة (حماس)، فإن لهما حسابات أخرى.
فحركة فتح، ترى أن متاعب النضال وصعوباته في السنوات الماضية، وتضافر الظروف الدولية ضده، وتراجع العمل العربي العام عن الالتفاف حول قضية فلسطين، قد اصبح (بالنسبة لها) أمراً واقعاً لدى جماهير الشعب الفلسطيني التي يمكن القول إنها لم تعد ترى فائدة في استمرار أسلوب الكفاح المسلح، الذي جربته طويلاً، وطرحت نظرية «أوسلو» بديلاً عنه.
ورغم أن تجربة أوسلو قد أفلست إفلاساً تاماً، ولم تؤد إلا إلى تراجع الأوضاع السياسية والمعيشية في الضفة الغربية بشكل خاص حتى لا نتحدث عن مأساة قطاع غزة وأهله خلف جدران الحصار الخانق المحكم، فإن حركة فتح ما زالت ترى أن جماهير الشعب الفلسطيني ما زالت تراهن على خطها السياسي، رغم المأزق الخانق الذي تقف فيه الحركة وقيادة السلطة الفلسطينية، التي تعترف صراحة بالفشل الكامل لتجربة أوسلو، دون أن يصل بها الأمر إلى أن تطرح على جماهير الشعب الفلسطيني، خطاً سياسياً بديلاً، مختلفاً أيضاً عن الخط الذي تطرحه وتتمسك به وتمارسه حركتا حماس، والجهاد الإسلامي، ورغم أنه الأقرب إلى روح الميثاق الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية كما صاغته حركة فتح قديماً.
إنه مأزق تاريخي، تقف أمامه بالتساوي حركتا فتح وحماس. حتى حركة حماس التي تتمسك بأسلوب الكفاح المسلح، وهو الأسلوب الأكثر شعبية لدى جماهير الشعب الفلسطيني، قد فشلت مؤخراً فشلاً كبيراً، أمام الغزو التركي لسوريا العربية، وذلك بموقفها المتردد في إدانة صريحة لهذا الغزو، كما هو مفروض ومتوقع، حتى إنها أقرب إلى موقف يكاد يؤيد الموقف التركي (لولا بقية من خجل)، بسبب التلاقي الآيديولوجي (الإخوان المسلمين) بين حركة حماس والقيادة التركية لأردوغان.
إننا نقف فعلاً أمام طريق مسدود في العمل الفلسطيني، لا مخرج له إلا بتحرك شعبي واضح المعالم لجماهير الشعب الفلسطيني الذي بات يمتلك وحدة البوصلة في اختيار وطرح الأساليب التي تناسب القضية الفلسطينية، بغض النظر عمن يربح في الانتخابات التشريعية أو الرئاسية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"