الوقوف عند عتبة اللايقين السياسي

03:55 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي

حل الكنيست «الإسرائيلي» نفسه بعد أسابيع من تشكيله، وذلك إثر فشل بنيامين نتنياهو بتشكيل حكومته الخامسة. ويعود الاستعصاء إلى إصرار حزب «إسرائيل بيتنا» بزعامة أفيجدور ليبرمان على تجنيد المتدينين، وهو توجّه كان قد اتخذه في أثناء مسؤوليته وزارة الدفاع بين عامي 2016 و2018، فيما يرفض حزب «يهودوت هتوراه» هذا الطلب، ويصر على إعفاء طلبة المدارس الدينية ومدرّسيها من التجنيد. ونتنياهو كان ومازال يميل إلى إعفاء المتدينين، وذلك باعتبارهم جزءاً من قاعدته الانتخابية. علماً أن المهاجر الروسي ليبرمان يتفق مع نتنياهو ومع الأحزاب المتدينة، على مسائل سياسية عديدة، منها دوام الاستيلاء على الضفة الغربية المحتلة، وتكثيف الغزو الاستيطاني، ومنع قيام دولة فلسطينية. غير أن علمانيته المزعومة (والتي لا قرينة عليها سوى كونه أمضى شطراً من حياته حارساً لملهى ليلي في وطنه الأم روسيا!) تباعد بينه وبين المتدينين.
وفي واقع الأمر، أن مسائل «داخلية» كهذه، ومنها ثلاثة اتهامات بالفساد لنتنياهو، هي التي دارت حولها الحملات الانتخابية للكنيست المنحل، والتي حصد خلالها تكتل الليكود 36 مقعداً بفارق مقعد واحد عن الحزب الذي يليه (أزرق أبيض) والذي يضم جنرالات متقاعدين. وقد شكل إخفاق نتنياهو في تشكيل حكومة جديدة نكسة غير متوقعة لهذا السياسي الديماغوجي الشديد الطموح، وفي وقت تآكلت فيه صورة العديد من القيادات الصهيونية، وبالذات في المعسكر الموصوف بأنه يضم اليسار والوسط.
وقد استرعى الانتباه أن الحملات الانتخابية الأخيرة خلت تقريباً من موضوع السلام والتسوية، إلا لدى الأحزاب العربية وحزب ميرتس. وذلك في ضوء المناخ الذي أشاعته إجراءات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العدائية تجاه الفلسطينيين وحقوقهم، مما أشاع ارتياحاً وارتخاء في المعسكرات الصهيونية، وبالذات في أوساط اليمين القومي والديني، والذي يعتبر نتنياهو وتكتل الليكود أبرز معاقله وممثليه.
أما الانتخابات المقبلة، فقد تقررت في 17 سبتمبر/أيلول. والوضع في المنطقة مازال على حاله، مع بعض المستجدات المهمة.. ومنها اشتداد الحملة الأمريكية على إيران. وهذه المسألة توحد التيارات الصهيونية ولا تثير بينها خلافات جدية. أما المستجد الثاني فهو ما بات يعتري «الصفقة الأمريكية» من ضبابية، وذلك بعد أن ربطت واشنطن بين الإعلان عن هذه الصفقة وبين تشكيل حكومة «إسرائيلية».
وقد كان من المقدر أن تظهر الخطة الأمريكية للعلن في مثل هذه الأيام، لكن الاضطراب الذي أصاب الحياة السياسية «الإسرائيلية»، وغياب حكومة جديدة، أربك الحسابات الأمريكية، حتى بات خبراء يشككون في ظهور هذه الصفقة، فإذا كان الأمر منوطاً بما بعد انتخابات «إسرائيلية» جديدة في أواخر سبتمبر المقبل، فإن هذا التاريخ يقترن ببدء الحملات الانتخابية الرئاسية في أمريكا. وعليه فإن الرهان على الصفقة في طريقه إلى الاهتزاز، وخاصة مع ما أبداه الأردن، وهو طرف معني ووثيق الصلة بواشنطن، من تمسكه بحل الدولتين، وبالقدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطينية. بما يعنيه ذلك من رفض متكرر لمشتملات الصفقة.
وإذا كان الاحتلال لن يأسف كثيراً لتقهقر حظوظ الصفقة، فإن التحفظ الدولي الواسع عليها، يُظهر أن مساعي دفن القضية لم تحقق نجاحاً بعد. وأن الحل القائم على الشرعية الدولية مازال يحظى بأكبر وأوسع تأييد. وأن لحظة الالتقاء مع الإدارة الأمريكية قد لا تتكرر. وهذا ما سوف يخيم على الحملة الانتخابية الجديدة. إذ إن رفض الخطة عبر الدعوة لتأجيلها، وهو التكتيك الذي اتبعه نتنياهو، غير قابل للاستمرار طويلاً. ونتنياهو ومن خلفه حشد اليمين، لا يوفر حلاً طويل الأمد لمستقبل الدولة العبرية التي لا حدود لها، ولا شيء ينظم العلاقة مع زهاء سبعة ملايين فلسطيني يقيمون على أرض فلسطين الانتدابية (في الضفة الغربية وقطاع غزة وأراضي العام 1948). وإن الحلول الاقتصادية مهما بدت جذابة المظهر، فإنها غير قابلة للتطبيق بدون حلول سياسية وبدون بيئة تنعم بقبول سياسي للحلول.
والراجح في ضوء ما تقدم أن اليقين الأسود الذي كان يملأ نفوس اليمين الأكثر تشدداً، إضافة إلى تيارات أخرى محسوبة على الوسط، سوف تحل محله انفعالات اللايقين السياسي. وذلك مع التردد الكبير في قبول الصفقة، والخشية من رفضها، إلى الخشية من تراجع فرص الإعلان عنها بعد أن تداخلت المواعيد والأولويات والذرائع أمريكياً و«إسرائيلياً». أما إذا حزمت واشنطن أمرها وأصرت على الإعلان عن صفقة لا تجد من يريدها ويتبناها، فلسوف يسهم ذلك في مزيد من الاضطراب ولا شيء آخر.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"