اليوم العالمي لمعرفة الحقيقة

01:15 صباحا
قراءة 3 دقائق
عبد الحسين شعبان

أحقاً هناك يوم عالمي لمعرفة الحقيقة؟ ولماذا لا تكون جميع أيام السنة مناسبة لإجلاء الحقيقة وكشفها وليس يوماً واحداً يتم الاحتفال به؟ ولعل ذلك ما أرادت الجمعية العامة للأمم المتحدة قوله حين قرّرت في 21 ديسمبر/كانون الأول عام 2010 الاحتفال بيوم 24 مارس/آذار؛ باعتباره يوماً عالمياً لمعرفة الحقيقة.
والاحتفال بهذا اليوم يعني ثبوت «شرعية» الحق كجزء أصيل من منظومة حقوق الإنسان التي كفلها القانون الدولي المعاصر والقانون الإنساني الدولي، بمعنى أنها مكفولة وقت السلم ووقت الحرب، لاسيّما وأن الضحايا أو ذويهم، فضلاً عن الرأي العام التوّاق لمعرفة الحقيقة، ظلّوا يفتشون عن المعلومات التي استمرّت في رحم الغيب، خصوصاً حين لا يتم توثيقها وكشفها، وتنهمر الأسئلة: ما الذي حصل؟ ولماذا؟ وكيف؟ وأين؟ ومتى؟ وهي أسئلة تتعلق بانتهاكات سافرة، وتجاوزات صارخة لحقوق الإنسان، فهناك ضحايا أُعدموا من دون محاكمة، وآخرون عذبوا أو سجنوا أو احتجزوا أو اختفوا قسرياً، فكيف السبيل إلى إحقاق الحق وتطبيق العدالة؛ كي لا يفلت الجناة أو المرتكبون من العقاب؟
والسؤال يجرّ إلى أسئلة أخرى، فمن هم الفاعلون؟ ومن أصدر الأوامر؟ وما الظروف؟ وكيف وأين ومتى حصلت الانتهاكات؟ علماً بأن مثل هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم، ويبقى حق الضحايا أو أسرهم غير قابل للتصرّف، مثلما يصبح الحق في معرفة الحقيقة «حقاً مستقلاً» يضاف إلى الحقوق الأساسية للإنسان، وهو يرتبط بأحد أهم الواجبات الأساسية للدولة، ونعني به «حماية أرواح الناس وممتلكاتهم»، وضمان أمنهم وسلامتهم وحقوقهم بغض النظر عن دينهم وقوميتهم ولغتهم وجنسهم ولونهم وانحدارهم الاجتماعي، الأمر الذي يستوجب من الدولة إجراء تحقيقات فاعلة؛ لضمان تطبيق العدالة، وإنصاف الضحايا، وتعويضهم، وكشف الحقيقة كاملة.
ويزداد موضوع الحق في معرفة الحقيقة في فترات «العدالة الانتقالية»، خصوصاً حين تنهار سلطة القانون، ولاسيّما في فترات الحروب والنزاعات الأهلية أو عند التحوّل من نظام دكتاتوري واستبدادي تسلطي إلى نظام آخر يسعى إلى التوجه للديمقراطية، أو حين يحصل انتقال من سلطة محتل إلى سلطة وطنية جديدة، وكل هذه الأمور تحتاج إلى فترة انتقالية وهي فترة تمرّ بها البلاد متحوّلة من شرعية قديمة انتهى مفعولها إلى شرعية جديدة لم تستكمل قوامها.
وحين نقول كشف الحقيقة، فالمقصود تحديد الجهة المسؤولة لمساءلتها، ويفترض أن يكون ذلك دون انتقام أو كراهية أو كيدية؛ لكي لا يتم خلق ردود فعل حادة ضد التوجهات الجديدة، وينبغي أخذ كل ذلك بسياقه التاريخي، وبروح التسامح والبناء؛ كي يتم جبر الضرر؛ وإحياء الذاكرة لتبقى يقظة ولا يذهبها النسيان، لاسيّما بإطلاق أسماء ساحات ومدارس ومكتبات وشوارع وأماكن عامة، ووضع نصب وتماثيل للضحايا؛ ليستمروا في ذاكرة الناس، مثلما يفترض تعويضهم أو تعويض أسرهم مادياً ومعنوياً، والهدف هو إصلاح النظام القانوني والقضائي والأمني؛ لكي لا يتكرر ما حصل وصولاً لتحقيق المصالحة المجتمعية.
لقد تم اختيار اليوم العالمي لمعرفة الحقيقة (24 مارس/آذار)؛ لمصادفته يوم اغتيال رئيس الأساقفة أوسكار آورنولفو روميرو من السلفادور في عام 1980؛ بعد إدانته لانتهاكات حقوق الإنسان، وكتابته رسائل عدة يستنكر فيها هذه الانتهاكات التي تعرّض لها الفقراء والفئات الفلاحية الأشد ضعفاً في المجتمع، وكان اغتياله بداية حرب أهلية استمرت 12 عاماً قتل فيها 75 ألف إنسان.
لقد توسعت وتنوعت وتشعبت الحقوق الإنسانية، ولم تعد تتعلق بالحقوق المدنية والسياسية فحسب، فتلك كانت تمثل الجيل الأول من الحقوق التي جرى التعبير عنها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 10 ديسمبر/كانون الأول 1948، واتخذت بعداً جديداً بإقرار العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في عام 1966، وكان هذا التطور يعبّر عن الجيل الثاني.
أما جيل الحقوق الثالث فكان من الثمانينات حين تقرر: «الحق في التنمية» باعتباره حقاً جماعياً وفردياً، وكذلك «الحق في السلام» و«الحق في بيئة نظيفة» و«الحق في الاستفادة من منجزات الثورة العلمية - التقنية» وكان هذا الجيل الثالث.
أما الجيل الرابع، فإنه يتعلق بالحق في التنوّع والتعددية والهوية والحق في معرفة الحقيقة كاملة، بما فيها الاطلاع على المحفوظات والسجلات، ومعرفة أسباب وظروف الانتهاكات التي حصلت في السابق؛ وذلك يعد أمراً لا غنى عنه؛ للوصول إلى العدالة؛ وإنصافاً للضحايا.
وبخصوص معرفة الحقيقة في قضايا «الاختفاء القسري» فقد تابعتُ منذ أربعة عقود من الزمان حالات عدد من الشخصيات المعروفة بينها رجل السلم صفاء الحافظ، وعالم الاقتصاد صباح الدرّة، والقائدة النسائية عايدة ياسين، والمفكّر والكاتب عزيز السيد جاسم، والقائد الكردي دارا توفيق، ورجل الدين اللبناني موسى الصدر، والدبلوماسي الليبي منصور الكيخيا، والسياسي السوري شبلي العيسمي، وكان هذا الملف يتضخّم وشمل مؤخّراً الإعلاميين توفيق التميمي ومازن لطيف.
فهل ستنجلي الحقيقة؟ ومتى؟ .

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أكاديمي ومفكر وكاتب عراقي، وهو نائب رئيس جامعة اللاّعنف وحقوق الإنسان (أونور) في بيروت. له مساهمات متميّزة في إطار التجديد والتنوير والحداثة والثقافة والنقد. يهتم بقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان والمجتمع المدني والأديان، والدساتير والقوانين الدولية والنزاعات والحروب. صاحب نحو 70 كتاباً ومؤلفاً.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"