انتخابات من دون «وهج سياسي»

03:35 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي
تغرق الشوارع الرئيسية في العاصمة الأردنية عمان ومدن أخرى، بأعداد هائلة من اليافطات الانتخابية، وذلك كجزء من الحملة الدعائية للاستحقاق الانتخابي المقرر في العشرين من سبتمبر/أيلول المقبل لاختيار المجلس النيابي السابع عشر. ورغم أن هذه الانتخابات تجري وفق نظام القائمة النسبية المفتوحة، فإن الطابع الفردي للترشيح ما زال طاغياً، وقد بلغ عدد المترشحين 1293 ضمن 230 قائمة، يتنافسون في 23 دائرة انتخابية على مقاعد مجلس النواب البالغة 115 مقعداً.
الانتخاب وفق القائمة دون اختفاء العامل الفردي، ليس السمة الوحيدة التي تسم هذه الانتخابات، فقد طفت على السطح مجدداً ظاهرة مرشح العشيرة والإجماع العشائري على مرشح بعينه، أو ازدواج الترشيح العشائري. وتعكس هذه الظاهرة قوة المجتمع التقليدي الذي صمد أمام رياح التغيير، والذي يعتبر العشيرة بمثابة مؤسسة اجتماعية قائمة بذاتها، وحيث الارتباط والمصالح ما بينها يتقدم على الاختيار الحر لأفرادها، ويطغى على التنوع الفكري والتعدد السياسي والثقافي، ما حمل أحد المعلقين على القول، إن الطموح إلى تشكيل حكومات برلمانية (منبثقة من مجلس نواب منتخب، وبقيادة الكتلة النيابية الكبرى) سوف يصبح مجرد أوهام في ظل هذه الظاهرة، وستكون الحكومة «العشائرية» هي البديل! في هذا الصدد يتحدث ملاحظون عن لجوء شخصيات حزبية بعضها قيادي إلى الترشح ضمن إجماع عشائرهم بدلاً من الترشح في قائمة حزبية تعكس التلاقي الفكري بين أعضائها، بصرف النظر عن انتماءاتهم الاجتماعية والمناطقية، غير أن واقع الحال يثبت أن الوضع أكثر تعقيداً من أن يصار إلى تقييده في قوالب قديمة، فثمة عشائر لم تنجح في التوصل إلى مرشح إجماع، وثمة عشائر لديها أكثر من مرشح واحد للمقعد الواحد، علاوة على أن الاقتراع يظل خياراً فردياً، ولا أحد يضمن مسبقاً أين سيتوجه الاختيار؛ إذ إن تضخم عدد العشيرة الواحدة وتضارب المصالح بين أفرادها ومكوناتها، وضيق الفرص الممنوحة لتوظيف أبناء العشائر من طرف القطاع العام الحكومي، وتوزع أماكن إقامة أفراد العشيرة الواحدة، هي عوامل تسهم موضوعياً في إضعاف الخيار العشائري.
وإلى جانب هذه السمة فقد تزايد الحديث عن ظاهرة المال السياسي في الانتخابات، وذلك نظراً للنفقات الهائلة التي يتحملها المرشحون في حملاتهم الانتخابية، ورغم أن القانون يلحظ هذا الأمر ويقيد حجم الإنفاق على الحملات الدعائية، فإن القانون لا يحظر مثلاً الولائم الجماعية!. والإنفاق المتزايد الذي يتفاوت بطبيعة الحال بين قائمة وأخرى ومرشح وآخر، يعكس بروز ظاهرة جديدة تتمثل في كثرة عدد المرشحين من رجال الأعمال الطامحين إلى حضور سياسي وبرلماني يعزز نفوذهم المالي والاجتماعي، وإذ تبدو الفرصة متاحة أمام بعض هؤلاء، فإن نسبة كبيرة منهم تدخل السباق بغير خبرة سابقة وبدون قاعدة اجتماعية تُذكر، معتمدين بالدرجة الأولى على العلاقات الشخصية والعائلية، واستثمار وسائل الاتصال والتواصل الحديثة لتعميم أسمائهم وصورهم. وبينما يثير المال السياسي المحاذير من التأثير السلبي في خيارات المرشحين واستغلال الوضع المعيشي الصعب لفئات من المقترعين، فإن هذه الظاهرة المتنامية تجد من يسوغها، ومن يعتبر أن المال السياسي ليس أسْوَد، وذلك بالتأشير إلى الحملات الانتخابية الأمريكية وبعض المظاهر الانتخابية في دول غربية، حيث يلعب المال دوراً كبيراً في الوصول إلى الناخبين وبلورة خياراتهم.
ولا تكتمل الإحاطة بملامح المشهد الانتخابي، من دون التطرق إلى ظاهرة مشاركة الحركة الإسلامية في هذه الانتخابات ممثلة بجبهة العمل الإسلامي، وذلك بعد نحو عقدين من مقاطعة الانتخابات ترشيحاً واقتراعاً. غير أن هذه المشاركة «الإسلامية لا تقتصر على هذا الطرف، فهناك حزب الوسط الإسلامي وجماعة الإخوان المرخصة وحركة زمز، وتعتبر مشاركة جبهة العمل في هذه الانتخابات محاولة لكسر الطوق المفروض على الجبهة، ومحاولة إثبات تمتعها بنفوذ سياسي واجتماعي باقٍ لهذا التيار، وقد لوحظ أن هذا التيار قد تخلى هذه المرة عن شعاره «الإسلام هو الحل» وحاول اجتذاب عدد من المرشحين المسيحيين إلى قوائمه.
ورغم مشاركة الإسلاميين إلى جانب عدد من الأحزاب، فمن الواضح أن هذه المعركة تفتقد هذه المرة الوهج السياسي، فالمرشحون يتفادون الخوض في شؤون سياسية إلا على أضيق نطاق، وعلى طريقة الخوض في العموميات، والتفسير الأقرب لضمور الطروحات السياسية هو أن المرشحين أفراداً وقوائم باتوا يدركون المزاج العام الذي يتوجس من المشاحنات السياسية وأي زعزعة للاستقرار العام، في بلد هو الأردن يقع في قلب بيئة إقليمية ملتهبة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"