انتصارات أمريكا في حروبها الخاسرة!

04:58 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق

لجوء أمريكا إلى الخيار العسكري لمعاقبة النظام السوري لن يحقق لها انتصاراً على المدى البعيد، ولن يخفي الحقيقة التي لا تعترف بها وهي أنها لا تملك استراتيجية واضحة ومتماسكة وعملية للتعامل مع الأزمة السورية. الضربات الأمريكية تعني أن واشنطن لم تتعلم من أخطائها، ولم تستوعب الدروس التي تمخضت عنها تجاربها السابقة في أفغانستان والعراق وليبيا وفي سوريا نفسها.
الدرس الأهم في كل هذه التجارب هو أنه بدون خطة واضحة لما بعد الحرب، فإن الانتصارات العسكرية لا تلبث أن تتبدد، بل تتحول إلى هزائم نكراء في أحيان كثيرة.
كل الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة خلال العقدين الأخيرين تؤكد هذه الحقيقة، وتكشف بصورة تدعو إلى الدهشة، إلى أي حد تواصل الإدارات الأمريكية المتعاقبة ارتكاب نفس الأخطاء. وقد رصد البروفيسور بول روجرز أستاذ العلوم السياسية في جامعة برادفورد البريطانية خمسة من هذه الأخطاء الأمريكية المتكررة في مغامراتها العسكرية المختلفة.
التجربة الأولى بدأت أواخر 2001 عندما شنت الولايات المتحدة حربها ضد أفغانستان. وخلال أقل من عشرة أسابيع كانت قد دمرت حكومة «طالبان» وشتت «القاعدة»، ثم أعلن الرئيس الأمريكي وقتها جورج بوش الانتصار. اليوم وبعد 16 عاماً من هذا النصر المظفر تجددت نيران الحرب، وعادت «طالبان» إلى صدارة المشهد، وتولدت عن «القاعدة» تنظيمات أكثر خطورة وشراسة.
لم يختلف ما حدث في العراق كثيراً عمّا جرى في أفغانستان. في بلاد الرافدين بدأ الغزو الأمريكي في 2003 وخلال ثلاثة أسابيع فقط تمت الإطاحة بنظام صدام، ثم أعلن بوش أيضاً أن المهمة انتهت. غير أن الحرب استمرت سبع سنوات بعد ذلك. وكانت تلك هي التجربة الخاطئة الثانية للولايات المتحدة التي فتنتها قوتها ونسيت أنها لا تكفي وحدها لحل مشاكل سياسية واجتماعية واقتصادية وتاريخية بالغة التعقيد. ومازال العراق حتى اليوم يعاني نتائج سوء الإدارة الأمريكية للبلاد بعد الغزو بسبب غياب الاستراتيجية المناسبة.
المغامرة الثالثة بدأت عام 2011 عندما دمرت طائرات حلف الناتو قواعد نظام العقيد الليبي معمر القذافي الذي أصبح جزءاً من الماضي خلال ستة أشهر. إلا أن هذا النصر العسكري الذي لم تصاحبه استراتيجية لما بعده تحول إلى كابوس بعد أن سقطت ليبيا في فوضى عارمة مازالت غارقة فيها حتى الآن.
خلال نفس العام أي 2011 ارتكبت واشنطن الخطأ الرابع من نوعه، حيث قرر الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما سحب ما تبقى من قوات بلاده من العراق؛ معتبراً أنها نجحت في إنهاء التمرد. لم يكن هذا تقديراً صائباً لأن النصر الهش سرعان ما تبدد مدفوعاً بما تسبب فيه الغزو ثم الاحتلال من تدمير لمقومات ومؤسسات الدولة العراقية، وبما أشعله من فتنة طائفية بغيضة.
ولم يمر وقت طويل حتى كانت التنظيمات الإرهابية التي تكاثرت في ظلام الاحتلال قد توغلت في الأراضي العراقية، وسيطرت «داعش» على عدد من المدن الكبرى، واضطرت أمريكا إلى إعادة قواتها مرة أخرى لإنقاذ الحكومة العراقية من الانهيار وتحرير الأرض التي استولت عليها «داعش».
التجربة الخاطئة الأخيرة بدأت في 2014 عندما انطلقت غارات القوات المتحالفة بزعامة أمريكا لضرب معاقل «داعش» في سوريا والعراق ومازالت هذه الغارات مستمرة للعام الثالث. ورغم النجاح العسكري الذي تحقق بهزيمة التنظيم إلا أنه استطاع تفريخ جيل جديد من الإرهابيين انتشروا في أرجاء العالم شرقاً وغرباً. وبفضل التكنولوجيا الحديثة أمكنه تجنيد متعاطفين يشنون هجمات مخيفة في أوروبا والولايات المتحدة.
مرة أخرى لم تستوعب واشنطن رغم تقدمها أنه ليس بالسلاح وحده يتحقق النصر. لذلك لم تضع خطة للتعامل مع سوريا بعد هزيمة «داعش»، والنتيجة فوضى عارمة في الداخل، وإرهاب أسود في الخارج، ونزيف لا يتوقف من دماء الأبرياء.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"