انضباط مثمر يتجاوز الصعوبات

02:59 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي

الظرف الحالي والاستثنائي في الأردن، يتسم بالهدوء مع قدر كبير من الانسجام بين المكونات السياسية، وكذلك الانسجام الاجتماعي

كان من شأن تسرب وباء كورونا مطلع مارس / آذار الماضي إلى الأردن أسوة ببقية دول الإقليم والعالم، أن أشاع مناخاً سياسياً جديداً، تعززت فيه الثقة بحكومة عمر الرزاز، وارتفعت أسهمها لدى الجمهور، وتوقفت فيه المشاحنات بين الصالونات السياسية وعلى منصات التواصل الاجتماعي. وغابت أخبار الاستعداد للانتخابات النيابية التي كان من المقرر إجراؤها صيف هذا العام، وعلى الأغلب أنه سيتم إرجاؤها إلى موعد آخر، إذ إن المواسم الانتخابية تمثل عادة مناسبة لإقامة التجمعات.

وعلى الرغم من الصعوبات الجمة التي يواجهها الاقتصاد الأردني نتيجة الإغلاقات والحظر الجزئي للتجول والذي تتخلله أيام من الحظر التام، إلا أن هذه الصعوبات وجدت عزاء لها في النجاح الرسمي بالسيطرة على تفشي الوباء، إذ لم تتعدَّ الوفيات سبع حالات حتى أمس الأول (السبت)، وهو ما أثار جواً من الارتياح العام. وقد اقترن ذلك بتخصيص صندوق لجمع التبرعات لدعم صندوق وزارة الصحة وعمال المياومة، ترأس هيئته رئيس الوزراء السابق ذي الخلفية الاقتصادية عبدالكريم الكباريتي، وقد تمكن الصندوق من جمع نحو 80 مليون دينار أردني (114 مليون دولار) عدا عن الدعم السخي من الملك عبدالله الثاني للصندوق.

وعلى الرغم من الخروقات المتوقعة للحظر الجزئي والكلي، فإن انتداب القوات المسلحة للإشراف والمتابعة أسهم في تحقيق أكبر قدر من الالتزام العام بالحظر. وبينما يسمح للمواطنين والمقيمين بالتجوال خلال رفع الحظر بين العاشرة صباحاً والسادسة مساء، إلا أنه تم حظر استخدام المركبات، سوى لحملة التصاريح الذين تفرض طبيعة أعمالهم الحيوية استخدامها. وتتوفر في العاصمة عمان أكثر من مليون مركبة تعبر شوارعها في الظروف العادية. وقد سُمح باستخدام بضعة آلاف فقط منها في أيام الحظر الجزئي الخمسة، ويتناقص العدد إلى أقل من النصف في يومي الحظر التام.

وقد أوقفت الصحف اليومية طبعاتها الورقية بقرار حكومي، وواصلت صدورها إلكترونياً، فيما تم تشديد العقوبات على مطلقي ومروّجي الأخبار والتقارير الزائفة بخصوص الجائحة، على منصات التواصل. وقد تراجعت مثل هذه الأخبار، بعد ما أبدته المصادر الرسمية من شفافية في بث نشرة يومية حول تطورات الوباء، ويتولاها يومياً وزير الاتصال أمجد العضايلة، ووزير الصحة سعد جابر. وحتى هذان الوزيران فإنهما يلتزمان التعليمات في يومي الحظر التام (الجمعة والسبت)، ويبثُ كل منهما التقرير الخاص به من المنزل.

وقد بدأت بعض القطاعات الإنتاجية بالعودة الجزئية إلى العمل ابتداء من يوم أمس الأحد، وفق قرار رسمي، لكن بدوام جزئي وبعدد محدود من العاملين، مع تعليمات أخرى خاصة بالوقاية والتباعد. ويُنتظر صدور قرارات أخرى تشمل قطاعات إنتاجية وخدمية جديدة خلال الأسبوع الجاري.

وبينما يتطلع الكثيرون إلى ما بعد كورونا، وتفحص النتائج الاقتصادية التي تسبب بها، وكما هو الحال مع بقية دول العالم، ووضع السيناريوهات والتوقعات المختلفة لما بعد زوال الجائحة، فإن الظرف السياسي الحالي والاستثنائي، يتسم بالهدوء مع قدر كبير من الانسجام بين المكونات السياسية، وكذلك الانسجام الاجتماعي بصفة عامة، وذلك في ظل منح الأولوية التامة لدرء الخطر ومكافحة الوباء.

وبينما يغيب مجلس النواب عن الانعقاد وفقاً لقانون الدفاع، وتتوقف الأحزاب والنقابات عن اجتماعاتها الدورية أسوة بمختلف مظاهر الحراك الاجتماعي والثقافي، وبينما تعيش البلاد حالة إجراءات وقائية مشددة، فإن ذلك لا يحمل تداعيات سياسية داخلية تُذكر، ولا يحد من حرية التعبير إلا بحدود يمليها الظرف، فيما يتأجل الاهتمام بالانتخابات النيابية وتبديل الحكومة الحالية إلى إشعار آخر، مع سيادة نوع من القناعة الواسعة بأن العام الجاري سيكون مُكرساً لمواجهة الوباء ولما بعد زواله، وما يترتب على ذلك من مهام عاجلة، وهو ما يعني فرصة كبيرة للتمديد لمجلس النواب الحالي، وبقاء حكومة الرزاز التي أثبتت نجاعة في التعامل مع الوباء، وحافظت على جسر من التواصل اليومي الحيوي مع الجمهور، وخلال ذلك التنسيق الوثيق مع مؤسسات الدولة تفادياً لوقوع أي خطأ، إذ إن وقوع أخطاء في هذا الظرف الاستثنائي تترتب عليه نتائج جسيمة، وقد خضع أميران للحجر الصحي بعد عودتهما من السفر، كما غادر أحد الوزراء (وزير الزراعة) موقعه نتيجة أخطاء في وزارته تتعلق بمنح تصاريح التحرك في أيام الحظر، وهو مثال على الانضباط الذي يفرضه الحال الاستثنائي، والذي لا يستثني أحداً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"