بوابة الحل بوقف التدخل الخارجي

03:49 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي

استغرق الأمر بضعة أيام قبل أن تعلن واشنطن رفضها انسحاب القوات الأمريكية من العراق؛ بناء على طلب من مجلس النواب و«الحكومة» في بغداد. وتعرف واشنطن كما يعرف الجميع تركيبة الحكم والتمثيل النيابي في العراق، فقوى الأمر الواقع، أنتجت مجالس نيابية وحكومات متعاقبة على مقاسها، ووفق أجندتها. وكان قائد العمليات العسكرية الأمريكية في العراق الجنرال ويليام سيلي قد نقل للعراقيين، الاثنين الماضي 6 يناير/كانون الثاني الجاري، ما اعتبر خطة خروج للقوات، فيما كانت دوائر واشنطن تتخبط، وتنقسم آراء المسؤولين فيها حول الخطوة الصحيحة الواجب اتخاذها. إلى أن أعلنت الخارجية الأمريكية أنه لا انسحاب، وأن الشراكة الاستراتيجية مع العراق هي المسألة القابلة للبحث مع المسؤولين العراقيين. وكانت الحكومة العراقية قد توجهت إلى مجلس الأمن في عام 2014 طالبة دعماً دولياً؛ لتدريب القوات العراقية في مواجهة تنظيم «داعش» الإرهابي، وقد تشكل التحالف حينها، وضم عشرات الدول.
أما فيما يتعلق بالمسؤولين العراقيين فقد انتقلوا في غضون أيام من الشكوى ضد القصف الأمريكي إلى الاعتراض على القصف الإيراني. فالمسألة ببساطة لخصها المرجع آية الله السيستاني عبر ممثله في خطبة الجمعة 10 يناير/كانون الثاني في كربلاء، بقوله: «إن الهجمات المتبادلة تنتهك سيادة العراق، وإنه لا ينبغي السماح للقوى الخارجية بتحديد مصير البلد». فيما دعا الحراك العراقي المستمر في شوارع العاصمة ومدن أخرى إلى خروج القوات الأجنبية من البلد؛ إذ إن التركيز على سحب قوات طرف واحد دون سواه، يعني تزكية وجود قوات دولة أو دول أخرى. ومسعى العراقيين في هذه المرحلة هو استعادة السيادة بمشتملاتها كافة، وليس استرضاء أو استعداء أي طرف إقليمي أو دولي مهما كان. وهو ما لم تجد حكومة عادل عبدالمهدي المستقيلة مناصاً من الإقرار به بصيغ شتى، تحت ضغط الرأي العام وأمام يقظة الوطنية العراقية، في مواجهة ضغوط التطييف والتبعية التي أودت بالبلد إلى موارد التهلكة.
ومن الواضح أن الطرفين (الأمريكي والإيراني) ينزعان إلى تصفية حساباتهما على أرض العراق، وفي أجوائه ومياهه الإقليمية. وأنهما يتفاديان مواجهة مباشرة، والخاسر الأكبر هو العراق والعراقيون، وكذلك في حالة الاستهداف التركي المتكرر لمواضع «حزب العمال الكردستاني». ففي جميع الأحوال فإن بلد الرشيد بحاجة إلى أن يبسط سيادته على الأراضي العراقية؛ من خلال القوات المسلحة العراقية، وتنظيم العلاقة مع إقليم كردستان والمكون الكردي، بما يحفظ حقوق الجميع، وسيادة ومنعة هذا البلد، ووقف الائتمار بأوامر الخارج، ووقف هدر ثروات البلد واستنزاف طاقاته البشرية وموارده الطبيعية، وما نجم عن ذلك من فساد خرافي جعل العراقيين من أفقر الشعوب، في أحد أغنى بلدان العالم في ثرواته وموارده.
ولا شك أن العراقيين في سوادهم الأعظم لا يرتضون أي وجود أجنبي بشكل دائم أو طويل الأمد من دون غير موافقتهم، ولا بوجود يُفرض بالتدليس والتسلل إلى المؤسسات، وتسليح الميليشيات التي تمزق المجتمع، وتنتقص من وحدانية السلاح الشرعي الذي تحوزه القوات المسلحة، وهو ما باتت تدركه الحكومة المستقيلة، وسائر القوى السياسية والاجتماعية، باستثناء تلك المستفيدة من الواقع الشاذ القائم، وهو ما يجب أن يفتح الطريق أمام تشكيل حكومة مستقلة، ترعى تنظيم انتخابات جديدة؛ تتيح لشباب العراق وسائر الأجيال اختيار ممثليهم بكل حرية، وبرعاية عربية ودولية؛ وذلك تفادياً لاستمرار حلقات التآكل والتداعي، التي تسمح للقوات الأجنبية وللنفوذ الخارجي بالاستمرار على حساب مصلحة العراقيين، وبدعوى ملء الفراغ أو مكافحة الإرهاب. ولا شك أن دولة قوية وعادلة من شأنها أن تضع حداُ لهذه الآفة، وأن تسهم في جعل منطقتنا أكثر أمناً واستقراراً، أما الفراغ المزعوم فلا يعدو أن يكون إنكاراً لقدرات العراقيين في إدارة شؤون وطنهم وشعبهم بغير تدخل خارجي أو نفوذ أجنبي. وقد شاءت المقادير أن تؤول المواجهات العنيفة المباشرة أو غير المباشرة بين الجانبين (الأمريكي والإيراني) على أرض النخيل، (على الرغم مما ألحقته من مساس خطر بالسيادة) إلى اشتداد الحاجة، وإنضاج الوعي بالأهمية الحاسمة؛ لوقف التدخلات الخارجية وخروج القوات الأجنبية؛ كي يعود العراق إلى العراقيين، وكي تنهض دولتهم الوطنية مجدداً، بالتوازي مع استعادة تماسك النسيج الاجتماعي والهوية الوطنية الجامعة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"