تجار البشر

04:04 صباحا
قراءة 3 دقائق
نبيل سالم

أمام بصر وسمع العالم الذي يزعم التحضر، ومناصرة حقوق الإنسان، تستمر مسرحية الموت اليومي لآلاف اللاجئين الهاربين من جحيم الصراعات في بلدانهم، طلباً للأمان هنا وهناك، ولا سيما في بعض الدول الأوروبية التي تستفيد من تلك القوى البشرية الوافدة إليها وفي هذا الشأن تبدو ليبيا الوجهة الأكثر إغراء في رغبات اللاجئين هؤلاء، الذين يقعون، مع الأسف، بين أيدي عصابات احترفت المتاجرة بالبشر، ومعاناة الآخرين، خاصة في ظل الفوضى التي يعيشها هذا البلد العربي، وحالة الانفلات الأمني في بعض المناطق الليبية، والصراعات السياسية بين القوى الليبية الفاعلة على الأرض. ففي تقرير صادر عن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة بشأن أنماط الهجرة في ليبيا، تشير المفوضية إلى أن البلد أضحى وجهة مفضلة للاجئين والمهاجرين، خاصة القادمين من إفريقيا على أمل الوصول إلى أوروبا.
وتوضح المفوضية أيضاً أن هذه الرحلة تظل على نحو خاص محفوفة بالمخاطر وغير آمنة. مضيفة أن أعداد المهاجرين من سوريا وشرق إفريقيا شهدت انخفاضاً، لكنها زادت في ما يخص أعداد المهاجرين واللاجئين القادمين من غرب إفريقيا.
كما أشارت المفوضية إلى إن شبكات تهريب المهاجرين واللاجئين تتوسع بشكل واسع في ليبيا، وصارت أكثر حرفية في التعامل مع المشكلات المتعلقة بالهجرة واللجوء، فيما يوضح من يتابعون الشأن الليبي أن النزاع وعدم الاستقرار في ليبيا أوجدا بيئة خصبة لمختلف أنواع الجريمة، أصبحت فيها عمليات تهريب البشر وشبكات الجريمة تشهد انتعاشاً ملحوظاً.
التقرير الأممي يؤكد أيضاً أن معظم اللاجئين والمهاجرين في ليبيا هم شباب صغار السن مستوياتهم التعليمية متدنية.
وأكد التقرير أن النساء يُهرَّبن من أجل الاستغلال الجنسي، معرباً عن اعتقاده أن تظل ليبيا نقطة عبور حيوية بالنسبة إلى المهاجرين الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا.
وإذا ما أضفنا إلى هذا التقرير المتشائم بشأن قضية الهجرة، تحذيرات سابقة للمدعية العامة بالمحكمة الجنائية الدولية، فاتو بنسودا، في وقت سابق من أن ليبيا أصبحت سوقاً للاتجار في البشر، وأن هناك حالات يتم فيها بيع المهاجرين الأفارقة كعبيد في ليبيا، وأن هناك الكثير من الأدلة أمام مجلس الأمن الدولي حول جرائم محتملة ارتكبت ضد مهاجرين في ليبيا، وأن الآلاف من المهاجرين محتجزون في سجون في جميع أنحاء ليبيا، حيث ترتكب بحقهم جرائم قتل، واغتصاب، وتعذيب، فإننا نجد انفسنا أمام كارثة أخلاقية حقيقية، تقع أمام أعين الرأي العالم العالمي، وأن هذه الكارثة ستتواصل ويتسع مداها، ما لم يكن هناك موقف صارم من المجتمع الدولي، خاصة من جانب الأمم المتحدة، إزاء ما يرتكب من جرائم بحق أناس أبرياء، ذنبهم الوحيد أنهم ضاقوا ذرعاً بجحيم بلدانهم، ونيران صراعاتها الداخلية التي أشعلتها قوى استعمارية، وأجهزة استخبارات غربية عن قصد بهدف إشعال الفتن، ونهب ثروات هذه الشعوب من جهة، وتحويل بلدانها إلى سوق كبيرة لتجارة الأسلحة التي تعتبر من أكثر أنواع التجارة انتشاراً في العالم، والتي تقف خلفها، جهات وأجهزة استخبارات غربية قوية ومتنفذة، تنفيذاً لأجندات سياسية تصب في مصالح الدول الاستعمارية.
وأخيراً، لابد من القول، إن ما يشهده العالم من مظالم وجرائم كبرى بحق هؤلاء اللاجئين، أو غيرهم، إن دل على شيء فإنما يدل على أن عالمنا الحالي يعاني أزمة أخلاقية حقيقية، حيث يتحول الإنسان الفقير والبائس في عالم اليوم إلى مجرد سلعة تباع وتشترى، بل ويدفع دفعاً إلى الموت في البحار، أو على طرقات المنافي البعيدة، في مسرحية الموت هذه التي يعتبر تجار البشر وسماسرة الموت أبرز أبطالها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"