تحديان ينتظران الاستجابة

05:12 صباحا
قراءة 3 دقائق
الوطن العربي كله يحترق حالياً في لهب نار السياسة العابثة من جهة وفي لهب نار الدين المختطف من جهة أخرى . ويكذب من يدعي، في طول الوطن الكبير وعرضه، بأنه في منأى عن نيران هذا الجحيم المتعاظم الذي يأكل الأخضر واليابس .
لكن المأساة هي في الإعراض البليد، غير المفهوم ولا المبرر، عن التعامل مع ذلك الحريق على مستوى الأمة كلها، لإطفاء الحريق كله، وذلك بدلاً من التلهي بصب الماء هنا أو هناك . . لنفصل ما نعني بذلك .
ففي السياسة هناك محاولات في بعض الأقطار العربية لتكوين تجمعات وجبهات من الأحزاب السياسية ومناصريها من أجل أهداف محلية ومؤقتة من مثل خوض معركة انتخابات برلمانية أو المطالبة باصلاحات محدودة . وبالطبع فإن تلك الجهود، من مثل التي تبذل حالياً في أقطار مصر والجزائر وموريتانيا على سبيل المثال، مطلوبة ومحمودة، لكن التدهور المتراكم في المشاهد السياسية العربية يؤكد أن المحاولات على مستوى الأقطار لن تكون كافية على الإطلاق .
إذاً ما العمل؟ لنعد إلى الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي . آنذاك، عندما شعر المهمومون بتحرر ونهوض الأمة بوجود أخطار مشتركة يستهدف الوطن العربي كله، من مثل الخطر الصهيوني والخطر الاستعماري وخطر التخلف عندما شعروا بذلك توجهوا، بعبقرية لافتة وبروح متحدية، إلى تكوين حركات قومية جامعة ترتفع بالنضال السياسي من مستوى القطر الوطني إلى مستوى الوطن القومي .
ومن دون الدخول في مماحكات ما ارتكب من أخطاء من قبل تلك الحركات، أو الدخول في عبثية لعبة اللوم والتقريع، فإن حركات حزب البعث والقوميين العرب والناصريين كانت محاولات تاريخية كبرى، صحيحة في أفكارها وشعاراتها، نبيلة في أهدافها . كانت استجابة لصد أخطار كبيرة هائلة على مستوى طاقات الأمة كلها .
ما يهمنا ليس ما آلت إليه تلك الحركات، فالتاريخ الموضوعي سيحاكم وسيحكم، لكننا، اليوم وفي هذه اللحظة المتفجرة الملتهبة من مسيرة الأمة، تعنينا تلك الحركات كرمز للاستجابة للتحدي والأخطار وكطريق عقلاني مقنع يكاد يكون لا بديل عنه، تحت كذا ظروف وكذا أخطار .
إذاً سنجمل كل ما سبق في السؤال التالي: أليست الهجمة الصهيونية - الإمبريالية، تعاونها مع الأسف بعض قوى الداخل، أليست تلك الهجمة الهادفة لتمزيق وتفتيت الأقطار العربية الحالية لتصبح كانتونات قبيلة أو طائفة أو عرقية ضعيفة تابعة مستباحة من قبل القوى العسكرية أو الاقتصادية أو المالية الخارجية، ويالتالي لتبقى هذه الأمة على هامش العصر إن لم تكن خارجه . . أليست تلك الهجمة المذلة المبكية المستهزئة كافية لشعور البعض بأن شيئاً كبيراً يجب أن يحدث، وفي الحال على مستوى الأمة الواحدة، والوطن الكبير الواحد والمصير المشترك الواحد والنضال الشعبي الواحد؟ هل سيقبل هذا الجيل أن يكون السابقون أكثر شجاعة وحكمة من اللاحقين؟ ليست هذه أسئلة الحنين للماضي، إنها أسئلة المستقبل الوجودبة .
أما في حقل الدين فإن المصائب والمحن أصبحت تتسابق مع المصائب السياسية الوطنية منها والقومية . لقد أصبح نمو الفطر العبثي المتعاظم للقوى التكفيرية الجهادية، الممارسة لأقبح أنواع العنف الشيطاني تجاه الأبرياء في كل أنحاء العالم، أصبح قضية دولية تصب في مصلحة مشوهي ومحاربي الإسلام والمسلمين .
وفي داخل عالم الإسلام وصل جنون إدخال السنة والشيعة في صراعات سياسية عبثية، تحت غطاء عباءة طائفية لا تمت للإسلام بصلة، وصل إلى قرب إدخال المسلمين في حروب لا نبالغ إن قلنا إنها ستهدد وجود الإسلام نفسه .
فإذا أضيف إلى ذلك دخول الإعلام الإسلامي، عن طريق جهلة وانتهازيين وزبونيين، في نشر ثقافة إسلامية بالغة التخلف والتزمت والجهل بالعصر وحضارته، فإننا أمام أخطار انحرافات فكرية وفقهية في صلب رسالة العدل والحق والقسط والميزان التي جاء بها نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم .
أمام هكذا أخطار وفواجع ينتظر الإنسان أن مؤسسة أو جبهة أو جماعة من علماء الدين الإسلامي ستولد من هذا الركام تجمع ممثلين مستقلين عن الشيعة بكل مدارسهم وأهل السنة بكل أطيافهم ومدارسهم وأتباع الأباضية والزيدية وكل مذهب ينتمي إلى دين الإسلام، وذلك من أجل التصدي لكل تلك الأخطار، باسم الإسلام الجامع وليس المذاهب المختلفة، لا قولاً فقط وإنما فعلاً أيضاً .
لكن ذلك لا يحدث، ولا تسمع إلا صوتاً فردياً من هنا أو بياناً لفئة مذهبية من هناك، أو فتوى خجولة من جهة رسمية . الارتفاع بالعمل السياسي إلى مستوى الأمة وبالنشاط الديني إلى مستوى الدين وليس المذهب تحديان ينتظران الاستجابة لهما، ومرور الوقت لن يرحم . ولنا عودة للموضوع .

د . علي محمد فخرو

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"