ترامب وعبء الدولار

03:11 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. أيمن علي

استقال مستشار الأمن القومي الأمريكي الجنرال المتقاعد مايك فلين بعد أيام قليلة من تعيينه وأصبح مادة تهكم على الرئيس في برامج التلفزيون الليلية الأمريكية. الخبر هو أن الرئيس ترامب هاتف مستشاره للأمن القومي في الثالثة فجراً ليسأله: هل الدولار القوي شيء جيد أم سيء؟.
بغض النظر عن سخرية برامج الشو الليلية، التي لا تعدم وسيلة في نيلها من الرئيس كموقف الإعلام عموماً منه حتى قبل انتخابه، فالسؤال في غاية الأهمية، وكون الرئيس الأمريكي يفكر فيه ويجعله أولوية مؤشر إيجابي يستحق الاهتمام. ولو صح أنه سأل مستشاره للأمن القومي (الذي يقال إنه أجاب بأنه لا يعرف) فلا غرابة أيضاًُ باعتبار ذلك دليلاً على أن السؤال يتجاوز رأي خبراء الاقتصاد ويتعلق بالأمن القومي الأمريكي والحقيقة أنه كذلك بالفعل، بل ربما يطال دور أمريكا في العالم بشكل عام.
من الواضح أن إدارة ترامب تريد تغيير أمريكا جدياً، وتعمل على ذلك من اليوم الأول. ورغم أن ملامح سياسة ترامب الاقتصادية لم تتشح بعد، إلا أن الرئيس عازم فيما يبدو على إنفاذ وعوده الانتخابية بخفض الضرائب وحماية الصناعات الوطنية لتوفير الوظائف بإعادة التفاوض على الاتفاقات التجارية مع الخارج والتوسع في الإنفاق على البنية التحتية.
يصعب توقع تأثير ذلك في سعر صرف العملة الأمريكية، وإن كان الأرجح أن تلك الإجراءات الاقتصادية ستعني ارتفاع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي (أي تحسن وضع الاقتصاد) وارتفاع التضخم وبالتالي أسعار الفائدة. وذلك بالطبع يعني استمرار ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل بقية عملات العالم الأخرى. لكن استمرار قوة الدولار تلك ليست مضمونة، إذ إنها تضر بخطط إدارة ترامب الاقتصادية في حال كان تركيزها على زيادة الصادرات مقابل الواردات وزيادة تدفق الاستثمارات بدلاً من خروجها من الاقتصاد الأمريكي.
كما أن الدولار القوي يزيد من أعباء الولايات المتحدة في العالم، وهذا ما يتعارض مع نهج العقد الأخيرة الذي يعتمد «فك ارتباط» يحرر أمريكا من كثير من التبعات المرهقة للقيادة العالمية. وربما كانت تلك هي النقطة الأهم التي تستدعي ليس فقط إشراك مسؤولي الأمن القومي، بل كل أجنحة الإدارة الأمريكية ومراكز المعلومات والبحوث التي تساندها فليس الأمر هنا اقتصادياً فقط.
لمن يعرف نظام بريتون وودز، الذي اعتمد الدولار المرتبط برصيد الذهب المعيار القياسي للثروة لدول العالم، يتذكر أن تلك الاتفاقية لم تصمد لأكثر من عقدين تقريباً. ومع الضغوط التضخمية الهائلة في السبعينات من القرن الماضي انهارت قاعدة الذهب تلك. ومنذ ذلك الحين لم يتراجع دور الدولار الأمريكي في الاقتصاد العالمي، بل على العكس أخذ في الزيادة حتى أصبح العملة القياسية ليس لثروات الدول وحسابات اقتصادها الكلي بل أيضاً لكثير من السلع والخدمات التي تباع وتشترى في قطاع التجارة العالمية.
لا يحتاج الأمر لأمثلة لتعرف أهمية الدولار عالمياً، من تايلاند إلى نيكاراغوا ومن منغوليا إلى الكونغو. مع ذلك نذكر فقط بأن احتياطيات دول العالم بالدولار ارتفعت من تريليون دولار في الثمانينات إلى 10 تريليونات دولار الآن، ولنتخيل تأثير أي تغير بسيط في سعر صرف الدولار على ثروة دول العالم تلك.
أيضاً وصل حجم الديون الحكومية المقيمة بالدولار إلى أكثر من 10 تريليونات، ومرة أخرى تتحمل الولايات المتحدة مسؤولية كل هذا الحجم الهائل من الثروة والدين في العالم وتأخذ ذلك في الاعتبار وهي تحدد سياساتها النقدية بما فيها أسعار الفائدة شهرياً.
من بين وعود الرئيس ترامب الانتخابية مواجهة الصين بشأن عملتها، التي يتهمها الأمريكيون بأنها تخفض قيمتها عمداً لتشجع صادراتها وتقلل وارداتها. ومعنى ذلك أيضاً أن الدولار القوي لا يساعد في اتزان العلاقات الاقتصادية والتجارية مع الصين وربما شركاء آخرين كبار في العالم بما فيهم الاتحاد الأوروبي وبالتالي يفضل أن ينخفض سعر صرف الدولار.
ليست المسألة بتلك السهولة طبعاً، أن تقرر خفض سعر عملتك فتنخفض خاصة إذا كانت مثل الدولار الأمريكي الذي يتداول في سوق حر مفتوح تحكمه عوامل السوق بالأساس لكن العملة تستمد قوتها أيضاً من قوة اقتصادها، ويتأثر إقبال العالم على شرائها (فيرتفع سعرها) أو بيعها (فينخفض سعرها) بمؤشرات الاقتصاد الكلي والسياسة النقدية للبلد المعني.
وبانتظار وضوح الخطوط العامة للسياسة الاقتصادية لإدارة ترامب، يمكن القول إن هذه الإدارة الجديدة ربما لا تريد الاستمرار في تحمل عبء الدولار العالمي. فالرئيس الذي يريد من حلفائه أن يدفعوا له مقابل علاقته بهم لن يكون متحمساً لتحمل اقتصاده وعملته مسؤولية استقرار الاقتصاد العالمي. صحيح أن هناك مشكلة الدين الأمريكي للعالم والذي يزداد بالمليارات يومياً تقريباً، لكن ذلك في حال هبوط سعر الدولار سيصبح مشكلة العالم أجمع وليس الولايات المتحدة وحدها.

خبير اقتصادي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"