ترامب يكتفي بالعقوبات على إيران

05:03 صباحا
قراءة 3 دقائق
حافظ البرغوثي

نذر الحرب التي تبرق في أفق المنطقة بين طهران وواشنطن، لا يبدو أنها ستقتصر على الدولتين؛ بل هي إن وقعت ستمتد خارج الأراضي الإيرانية وبالتحديد على الأرض العربية. لكن هذا السيناريو يبدو مستبعداً. فالتهديدات المتبادلة بين إيران والولايات المتحدة وحشد الأساطيل والقاذفات واستنفار إيران لوكلائها في المنطقة يبدو وكأنه يسرّع من احتمالات الصدام الوشيك، لكن في حقيقة الأمر ليس هناك رغبة متبادلة في الصدام العسكري المباشر، لأن الظروف عملياً تتهيأ لأهداف أخرى تتعلق بالتسوية الأمريكية المتوقع إعلانها.
الهدف الأساس، هو أنه على إيقاع قرع طبول الحرب، سيتم طرح المشروع الأمريكي الذي طال انتظاره، فالرئيس الأمريكي ترامب ترك الباب مفتوحاً للتفاوض مع إيران،وفي أية لحظة يمكن لإيران أن تنجو من أية ضربة محتملة إذا وافقت على إعادة التفاوض حول الاتفاق النووي الذي انسحبت منه واشنطن، وهناك دول تحثها على التنازل. فالإدارة الأمريكية التي يدير سياستها الخارجية الصقور الإنجيليون المسيحيون الصهاينة، وعلى رأسهم نائب الرئيس بينس ووزير الخارجية بومبيو ومستشار الأمن القومي جون بولتون هم دعاة حرب، وقد قطعوا على أنفسهم عهداً ل«إسرائيل» بوقف البرنامج النووي الإيراني وتفكيكه وإلغاء الاتفاق بالكامل، وحرصوا على سد المنافذ أمام طهران وأنصارها في المنطقة. وقد بدأت عواصم عربية معنية بتحصين نفسها أمام ارتدادات طرح التسوية؛ فلبنان يسعى لإبعاد نفسه عن أية تطورات سلبية في المنطقة. وعلى غرار لبنان يحاول الأردن تحصين جبهته الداخلية لاتقاء شرور الصفقة، بينما تجتهد السلطة الفلسطينية دبلوماسياً لمنع طرح الصفقة لأنها ستكون وبالاً على القضية الفلسطينية وستعمل على تصفيتها بالكامل.
عملياً في الداخل الإيراني، هناك من يرى أن التيار المعتدل الذي يقوده جواد ظريف والرئيس روحاني لا يجرؤ على المجاهرة بقبول الطرح الأمريكي لإعادة التفاوض بعد أن فشل رهانه على أوروبا في الالتفاف على العقوبات الأمريكية، إلاّ أن التيار المتشدد يجدها فرصة لإضعاف المعتدلين، وهو واثق في الوقت نفسه، من أن واشنطن بعيدة كل البعد عن توجيه ضربة إلى إيران ويمكنه تشغيل وكلاء له في العراق وسوريا وغيرهما، لإزعاج الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة بعيداً عن الأراضي الإيرانية، لذلك فإن أية ضربات استباقية من قبل القوات الأمريكية، لن يكون لها أي أثر، كما أن إسقاط النظام سيخلق حالة عراقية جديدة، دون أن يكون لدى واشنطن خطة محددة لمرحلة ما بعد إسقاط النظام.
فالسياسة الأمريكية الحالية، يهمها فقط إبعاد شبح التخصيب النووي بالكامل من إيران لأنه يهدد «إسرائيل» على المدى البعيد، وفي حالة الضغط الدولي من جانب أوروبا وروسيا والصين على إيران؛ فقد يمكن الوصول إلى إعادة النقاش حول الاتفاق النووي مجدداً، وليس مهمّاً بالنسبة لواشنطن إسقاط النظام أو لجم حمّى التوسع الإيراني في الأرض العربية، لأن التغلغل الإيراني في العراق وسوريا تم تحت ستار الغزو الأمريكي للعراق، وتطوع الأمريكيون لتسليم العراق إلى إيران.
الإيرانيون خاصة التيار المتشدد، مقتنع أنه لا حرب في الأفق وأن واشنطن لن تشن أية عمليات إلاّ كرد فعل على أي استفزاز إيراني، وبالتالي فهم مطمئنون كلياً، لأنهم يدركون أن أية حرب ستضعف الموقف الأمريكي خاصة الرئيس ترامب وهو على أبواب الترشح لولاية ثانية. ويرى خبراء أمريكيون أن تصفير صادرات النفط الإيراني، هي السلاح المتاح والموجع للنظام الإيراني وأعوانه في المنطقة، وعليه فإن سلاح العقوبات التجارية والاقتصادية، يبدو هو سيد الموقف وليس القاذفات والصواريخ وحاملات الطائرات. وفي ظل هذا التوتر وإلى أن توافق إيران على الرضوخ للتفاوض سيتم إلقاء قنبلة التسوية الأمريكية، لتنفجر بصمت في وجوه العرب قاطبة. فكل ما يجري يصب في النهاية لغير الصالح العربي، طالما أننا نجهل مصالحنا.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"