تركيا والمستنقع السوري

03:54 صباحا
قراءة دقيقتين
نبيل سالم

منذ بداية الهجوم التركي على عفرين من خلال ما يسمى عملية «غصن الزيتون»، ضد الوحدات الكردية في شمالي سوريا، حاولت أنقرة الإيحاء بأن هذه العملية تمليها المصلحة الوطنية التركية، وأنها ستكون قصيرة زمنياً، وأن الهدف من الهجوم، منع قيام كيان كردي في الشمال السوري، من قبل ما يعرف ب «قوات سوريا الديمقراطية»، و«وحدات الحماية الكردية» التي تتهمها بأنها تشكل امتداداً لحزب العمال الكردستاني المحظور، وهو فصيل كردي مسلح نشأ في السبعينات من القرن الماضي في جنوب شرقي تركيا كحركة تتمتع بمزيج فكري بين القومية الكردية والثورية الاشتراكية، وتسعى لإقامة «دولة كردستان»، وتخوض صراعاً مع تركيا منذ أكثر من ثلاثين عاماً.
ومع أن الأهداف التركية المعلنة كانت إنجاز عملية عسكرية سريعة لتحقيق هدف معلن أيضاً، وهو منع إقامة أي كيان كردي بمحاذاة الحدود الجنوبية لتركيا، إلا أن مجريات الأوضاع على الأرض جاءت مغايرة تماماً لما أعلن في أنقرة، على لسان عدد من المسؤولين الأتراك، فلا المعركة كانت قصيرة كما وعدوا، ولا أهدافها السياسية واضحة المعالم أيضاً.
حيث تحوّلت المعركة القصيرة إلى حرب يبدو أنها ستكون أطول مما أرادت أنقرة، بل تحوّلت إلى احتلال غاشم لجزء من الأراضي السورية، وهو ربما الهدف غير المعلن لأنقره.
فتدمير القرى والبنية التحتية والآثار، وقتل المدنيين السوريين الأبرياء وتهجيرهم من بيوتهم بقوة السلاح، ورفع الأعلام التركية فوق المؤسسات الرسمية السورية، لا يحتمل إلا وصفاً واحداً وهو تحقيق أطماع تركيا باحتلال أجزاء من الشمال السوري تحت هذه الذريعة أو تلك، وتنفيذ مخططات تركية قديمة، تترجم الأطماع في سوريا، وهي مطامع باتت معروفة وواضحة للعيان.
وعلى الرغم من أن الجيش التركي وقوات من «الجيش الحر» استطاعوا عملياً تحقيق الهدف الأبرز المعلن بالسيطرة على عفرين، لأسباب كثيرة، أهمها غياب الحضور العسكري السوري في هذه المنطقة، وانشغال دمشق بأزمتها الداخلية الكبيرة، إلا أن التدخل التركي من شأنه أن يدخل تركيا في مستنقع الأزمة السورية التي تحوّلت إلى صراع إقليمي، وساحة لتصفية حسابات دولية، ناهيك عن موقف دمشق الرافض للخطوة التركية، الأمر الذي سيفتح الباب أمام أزمة كبيرة جديدة بين البلدين، بالإضافة إلى أن موسكو التي ترتبط بعلاقات متينة مع دمشق، ستجد من الحرج أن تقبل باحتلال تركي للشمال السوري، يضاف إلى ذلك أيضاً الموقف الأمريكي الداعم للأكراد، ما يزيد الموقف التركي تعقيداً.
وإزاء ما تقدم يمكن القول إنه ورغم المؤشرات التي تنبئ باقتراب حل الأزمة السورية داخلياً من خلال القضاء على تنظيم «داعش» واستعادة الحكومة السورية لمعظم الأراضي التي سيطرت عليها الجماعات المسلحة، إلا أن تشابك الملفات وتضارب المصالح الإقليمية والدولية على الساحة السورية، سيجعل من التدخل التركي في سوريا عامل توتر كبير في المنطقة، لن تبقى آثاره محصورة في سوريا، وإنما قد يطال الداخل التركي أيضاً، وربما تعداه إلى أبعد من ذلك بكثير.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"