جديد«الرئيسة» كلينتون وقديمها

03:43 صباحا
قراءة 3 دقائق
إذا سارت الأمور كما هي عليه حتى الآن، فإن حظوظ المرشحة غير الرسمية للانتخابات الرئاسية الأمريكية، في الوصول إلى البيت الأبيض الذي سبق لزوجها أن مكث فيه لولايتين قبل أن يحل محله جورج بوش الابن، كبيرة، حيث إن طائفة كبرى من الجمهوريين ينحازون إلى المرشحة غير الرسمية للحزب الديمقراطي، وذلك لقطع الطريق على دونالد ترامب الشعبوي صاحب الميول العنصرية لبلوغ الرئاسة.
عملت كلينتون وزيرة للخارجية خلال الولاية الأولى لباراك أوباما. سيدة ذات خبرة واسعة في الشؤون الداخلية، وكذلك في السياسة الدولية. متفوقة مهنياً وتعليمياً دون أن تكون ذات كاريزما سياسية. بعد المذبحة الأخيرة في ملهى بولاية أورلاندو صرحت بأن على الكويتيين والقطريين والسعوديين أن يوقفوا دعم مواطنين في بلادهم، يدعمون «داعش». التصريح افتقر إلى الدبلوماسية، وقد جاء ليغطي على القصور الأمريكي في التحفظ على القاتل الشاب الذي لم يكن فوق الشبهات. كما جاء متعاكساً مع التعاون التام الذي تبديه دول مجلس التعاون في مجال مكافحة الإرهاب الذي تتضرر منه الدول ضرراً بليغاً شأنها كشأن دول أخرى في عالمنا. كان على السيدة المرشحة أن تقوم بدعوة التحالف الدولي الذي تقوده بلادها لإثبات نجاعة أكبر في الحرب على «داعش»، وأن يكف التحالف عن البطء الذي يتسم به أداؤه الحربي. في واقع الأمر إن عدم تحقيق نتائج باهرة وملموسة في الحرب على «داعش» مع بقائه في الرقة والموصل، هو الذي يوقظ ذئاباً نائمة في عدد من البلدان في الغرب.
تحظى كلينتون بتأييد أوباما (وسبق أن حاولت منافسته في الانتخابات الرئاسية السابقة قبل ثمان سنوات)، والخشية أن تنتهج نهجه الذي يتسم بالتردد. في أثناء تقلدها وزارة الخارجية اتخذت كلينتون موقفاً ضد الاستيطان الصهيوني في الأراضي المحتلة. صمدت في موقفها بضعة،شهر ولم تلبث أن تراجعت. ولم تكتف بالتراجع فبعد مغادرتها للخارجية أبدت ندماً على «تصلبها» حيال تلك القضية. ربما تحضيراً لترشيحها الحالي.
على أن هناك تقديرات أخرى تشير إلى عدم مجاراة كلينتون لإدارة أوباما في الحد من الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط وتغاضيه عن التمدد الإيراني، فقد سبق أن أبدت مواقف أكثر تشدداً من الإدارة بخصوص الملف النووي الإيراني، حتى مع تأييدها للاتفاق الذي تم بين طهران والغرب. ولعل إرث زوجها الرئيس الأسبق كلينتون يفعل فعله في تشكيل رؤاها، رغم تغير الظروف الدولية منذ بدء الألفية الثالثة، وذلك لجهة الموقف من إيران بالذات. وحتى مع الصين، فإن هيلاري تؤيد تقوية الوجود الأمريكي في شرق آسيا.

وأياً كان الأمر فإن الحملات الانتخابية لا تشكل بالضرورة وحرفياً برنامجاً سياسياً للمرشح الفائز، هذا في حال فوز كلينتون. ويستذكر المرء الحملات الانتخابية لأوباما، وكيف تخلى عن الكثير مما كان يبشر به بعد الوصول إلى «المكتب البيضاوي».

في جملة المواقف الانتخابية للمرشحة المفترضة كلينتون مواقف تبدو أكثر تشدداً حيال الأزمة السورية، من قبيل تقوية المعارضة المعتدلة، لكنها تنتج النهج نفسه بما يتعلق بأهمية التعاون مع موسكو. إذ سبق لها أن دعت لإقامة منطقة حظر طيران لحماية المدنيين، لكنها لم تلبث أن أعلنت في مناظراتها أن هذا الأمر يتطلب التعاون مع موسكو. ولكلينتون عبارة ذات أهمية كبرى ذكرت فيها «أن مصير الأسد يتقرر في عملية سياسية، بينما التعامل مع «داعش» يتم بصورة عسكرية».
غير أنه من واجب الأطراف العربية أخذ الاحتمال الكبير بفوز كلينتون في الحسبان أياً كانت النتيجة النهائية التي ستؤول إليها الانتخابات بعد خمسة أشهر من الآن. فالمواقف التي تطرح في الحملة الانتخابية تفعل فعلها لدى الرأي العام الأمريكي. وليس من الحكمة الابتعاد عن مجرى الانتخابات حين يتعلق الأمر بمواقف تخص قضايانا أو عموم الوضع في إقليم الشرق الأوسط. ولا شك أن هناك قنوات دبلوماسية يتم من خلالها التعبير عن المواقف، غير أن ذلك على أهميته لا يحجب واجب الإعراب عن المواقف المبدئية، كالموقف من الجهود الفرنسية لإحياء الاهتمام الدولي بالقضية الفلسطينية، فيما واشنطن في أحسن الأحوال تغض النظر عن المساعي المحمومة لليمين الصهيوني الأكثر تطرفاً الذي تمثله حكومة «تل أبيب»، وهي المساعي الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية تحت شعار مكافحة الإرهاب!. وكلينتون شأنها شأن الرئيس الحالي تتحدث عن احتلال وعن حق الناس الرازحين تحت وطأته إلى الحرية والكرامة، لكنها في الوقت ذاته تشد من أزر المتطرفين وتطمئنهم على أن التحالف مع «تل أبيب» صلب ولا يتزعزع في جميع الظروف. أي إنها تبيع الفلسطينيين كلاماً و«تبيع» المتطرفين الصهاينة الحاكمين سلاحاً ودعماً سياسياً ودبلوماسياً مفتوحاً.
وفي نهاية الأمر فالأفضل ألا ننتظر «الترياق» من واشنطن أو غيرها، أو أن نقبل بسياسة ردود الفعل فقط.

محمود الريماوي
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"