جناحا مسيرة المرأة العربية

03:10 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. علي محمد فخرو

ها قد عدنا واحتفلنا من جديد ب«يوم المرأة العالمي»، وبالطبع نحن معنيّون في الدرجة الأولى بالمرأة العربية.
في اعتقادي، الموضوع المتعلق بالمرأة العربية يتعلق بجانبين يحتاجان لإبرازهما كل على حدة؛ بسبب الاختلاف الكبير في المنطلق والمعالجة والواقع.
الجانب الأول المتعلق بالمرأة كذات وشخصية اجتماعية، يتبين بصورة جلية أن التقدم الهائل في مكانة وحقوق ومسؤوليات المرأة، والذي حدث على الأخص عبر المئة سنة الماضية، كان نتيجة لجهود ونشاطات المرأة الذاتية في بناء قدراتها ومستوياتها، وبالتالي ظروف حياتها؛ لذلك فلا منّة لأحد على جل ما حققته المرأة العربية.
فالفتاة العربية أقنعت وأرغمت أهلها؛ لإرسالها إلى المدرسة. وهناك اجتهدت وتميزت وتفوقت. وكان مستوى نجاحها في جميع المراحل المدرسية أعلى من زميلها الفتى العربي. وهذا قاد إلى دخولها التعليم العالي من أوسع أبوابه، وبأعداد كبيرة، وإلى قبولها في كلياته وتخصصاته المفضلة. والنتيجة كانت اقتحام المرأة العربية ميادين مهن الطب والهندسة والتعليم والمحاماة والقضاء وإدارة الأعمال. وفي السنين الأخيرة برزت كلاعبة أساسية في ميدان السياسة، كوزيرة ونائبة وبرلمانية وسفيرة ومساهمة بإبداع وقيادية في حراكات ما يُسمى «الربيع العربي» الجماهيرية، إلى جانب تمتعها بمواقف صلبة شجاعة في مواجهة الاستبداد والفساد.
كل ذلك قاد إلى استقلالها المالي والاقتصادي وإلى مساهمتها الهائلة في سد حاجات أفراد أسرتها المادية والمعنوية، وإلى صعود مكانتها في مؤسسات ونشاطات الحياة المجتمعية المدنية، لتصبح في النهاية مساوية بجدارة لزميلها الرجل في القيام بواجبات ومسؤوليات المواطنة المنتجة المتفاعلة.
هذا الواقع الجديد الذي أوجده عرق ودموع ودماء وتضحيات المرأة العربية عبر عشرات السنين هو الذي قاد مفكراً إسلامياً، تميز بالسماحة والموضوعية والفهم العميق لروح دين الإسلام ومقاصده الكبرى، دين الحق والقسط والميزان، جمال البنا، لأن يكون له الموقف القائل: «إن الفقه الجديد يجعل قضية المرأة من الشريعة، ويجعل المصدر الأول للشريعة هو العقل؛ لأن الشريعة ليس فيها ما يتعلق بذات الله تعالى، ولا عالم السمعيات التي تختص بها العقيدة. من هنا فإن الفقه يحدد موقفه من المرأة في ضوء ما يحكم به العقل، فهو يتدبر كل السياسات والاتجاهات والتصرفات بالنسبة لتاريخ تطور حركة المرأة في العالم أجمع، أو بالنسبة للتاريخ الإسلامي». هذا قول جاء في كتاب «المرأة المسلمة بين تحرير القرآن وتقييد الفقهاء».
وهذا قول يردّ على كل من يعترض، من بعض الأزواج والمشرعين والفقهاء والكتّاب والمتحدثين، ويصر على فهم الدين الإسلامي العظيم كدين جمود وانغلاق وتحيز ضد كرامة المرأة وإنسانيتها، وبالتالي يغمض عينه عن رؤية تلك المسيرة، وما يترتب عليها من حقوق للمرأة والواجبات المترتبة عليها.
ثانياً، هناك الجانب المتعلق بالرجل العربي. فتحت مظلة ما يُعرف ب«الرجولة» تبني الرجل العربي لأفكار وسلوكات بدوية قادت إلى تنظيم هرمي عائلي يقوم على أساس دونية المرأة والأطفال الصغار، وهيمنة وتسلط الرجال الكبار؛ نتيجة لذلك قامت العلاقات الأسرية على ممارسات الترغيب من قبل الأب والأم، وعلى غياب الأخذ والعطاء والتساوي. ومنذ الصغر تغرس بألف شكل وشكل مشاعر التفوق وحقوق الامتيازات عند الأبناء؛ وذلك على حساب البنات.
لقد كتب الكثير عن المثالب الكثيرة في تركيبة الأسرة العربية التقليدية. ما يهمنا هو إبراز أهمية تغيير تعريف ومنطلق وممارسة ما يُعرف ب«الرجولة»؛ وذلك من خلال عمليات تحليلية ونقدية وتجاوزية، تاريخية علمية عقلانية صارمة، تؤدي إلى ممارسة الرجولة بعدالة ورفق وتضامن وعلاقات إنسانية متساوية. تغيير وتشذيب وأنسنة وعي الرجل العربي بالنسبة لأطروحة الرجولة، وإبراز تضادها التام مع روح العصر الذي نعيش، ومع الحقوق الإنسانية المعقولة التي تبنتها أغلبية كبيرة من الأمم، هو تتمة منطقية لجهد المرأة الذاتي الذي وصفنا بعض نتائجه المبهرة.
عند ذلك سيصبح تحرير المرأة العربية من الظلم والاضطهاد والإخضاع والدونية، أي الانتقال من التاريخ المتخلف إلى الحاضر المشرق والمستقبل الواعد، جهداً مجتمعياً إنسانياً عربياً بامتياز. إنها مهمة كبيرة ومعقدة ستحتاج إلى جهود العائلة والمدرسة والجامعة والنادي والحزب والنقابة والمحكمة، إضافة إلى جهود البرلمانات والحكومات.
تجديد الوعي العربي بحقيقة وإنسانية وتساوي وكرامة المرأة العربية يجب أن يدخله الرجل العربي من بابه الواسع، جنباً إلى جنب مع أخته المرأة العربية، وتلك هي الرجولة الحقة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"