حالة استعراض القوة "الإسرائيلية"

06:11 صباحا
قراءة 3 دقائق

لفتت الأنظار والأسماع في الأشهر الأخيرة، لهجة إسرائيلية عالية النبرة جداً في التهديد والوعيد، بشكل متكرر على ألسنة زعماء سياسيين، ودبلوماسيين، وعسكريين، ما أصبح بشكل ظاهرة ملفتة للنظر، خاصة أن إسرائيل عودتنا في اللحظات التاريخية لصعود مشروعها الصهيوني، على مدى الأعوام الستين المنصرمة، أن تحتفظ لنفسها بانخفاض الصوت وارتفاع الفعل، تاركة للمعسكر العربي اختصاص ارتفاع الصوت، وانخفاض الفعل .

فعلى صعيد التسوية، يرتفع صوت رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو، داعياً الفلسطينيين والسوريين على حد سواء، إلى مفاوضات ثنائية بلا شروط . وعبارة بلا شروط في القاموس السياسي والدبلوماسي الإسرائيلي تعني بالشروط الإسرائيلية . وعلى أي حال، فإن نتنياهو لم يترك الأمر لاستنتاج المستنتجين، بل رفع عقيرته مرات عديدة، بأن الإسرائيليين باقون في القدس الموحدة تحت سلطتهم، وفي كل مستعمرات الضفة الغربية، إلى الأبد .

فإذا انحدرنا في مستوى المسؤولين السياسيين، إلى وزير الخارجية الإسرائيلي الحالي، افيغدور ليبرمان، فلعله قد احتل عن جدارة موقع المسؤول الإسرائيلي الأعلى عقيرة والأبعد مدى والأقل تهذيباً، في تهديداته المتكررة . التي بلغت درجة من التهور السياسي، دفعت أكثر من سياسي إسرائيلي، في الحكم أو خارج الحكم، إما إلى الاعتراض عليها علنا، أو التخفيف من حدتها، وقد كانت ذروتها في تهديد ليبرمان لسوريا بهزيمة عسكرية كاملة في حرب شاملة، وبإسقاط نظام الحكم فيها .

أما نائب وزير الخارجية، داني أيالون، فهو صاحب القصة الشهيرة التي طلب فيها إلى معاونية، اجلاس السفير التركي في مقعد أكثر انخفاضاً من مقعده، حتى يثبت للأتراك، بالصورة، أنهم أقل شأناً من الإسرائيليين، على حد تفسيره المعلن للحادثة . وهو تخصص، بعد ذلك، في إحراج أي مسؤول عربي يلتقيه في مؤتمر دولي، حتى يجره إلى مصافحة علنية .

ترافقت كل هذه الأحداث والتهديدات، مع تصريحات يومية دأب على اطلاقها ضد لبنان أكثر من مسؤول إسرائيلي، عسكري وسياسي، إذا لم يتخلص الشعب اللبناني من عضوية حزب الله في حكومته الشرعية .

وهكذا، تتحول العربدة الإسرائيلية، ذات الصوت المرتفع حتى الصراخ، إلى ظاهرة حقيقية تعبر بدقة عن المرحلة الراهنة للصراع العربي الإسرائيلي، لا بد من التوقف عندها .

لا شك بأن معايير قياس النجاح والفشل في أي مرحلة من مراحل المشروع الصهيوني الاستعماري، تنقسم إلى نوعين من المعايير:

نوع داخلي، يحدد القوة الداخلية للكيان الإسرائيلي، وقدرة المشروع الصهيوني على التحول شيئاً فشيئاً إلى كيان اساسي في هذه المنطقة من العالم، وجوداً ونفوذاً .

ونوع خارجي، يتفحص دائماً ميزان القوى العسكرية والسياسية بين المعسكر الصهيوني (الموجود فعليا)، والمعسكر العربي (الموجود نظرياً)، ولكن القابل في لحظة من اللحظات إلى استعادة حد أدنى من التوحد والتماسك والفعالية .

على الصعيد الإسرائيلي الداخلي، يمكن الجزم، انه بعد سيطرة تامة وطويلة لقوى اليسار الإسرائيلي، في العقود الأولى لتأسيس الكيان الصهيوني، فإن الروح العنصرية التي تميز بها المشروع (بيمينه ويساره)، ونتائج حرب ،1967 كان منطقياً أن تتحول بالمجتمع الإسرائيلي، وبعد ذلك وبحركته السياسية، إلى أقصى درجات التطرف .

وهكذا نرى تسابقاً بين ما يسمى باليمين في إسرائيل، وما يسمى باليسار، على دغدغة مشاعر التطرف السائدة أكثر فأكثر في المجتمع الإسرائيلي، وذلك حرصاً من كل طرف سياسي في إسرائيل، على الحصول على أعلى نسبة ممكنة من ثقة الجمهور المتعطش باستمرار إلى مزيد من التطرف . حتى أصبح التطرف السياسي والعسكري داخل إسرائيل، أشبه بالرمال المتحركة، التي يصعب الخروج منها، إلا بحالة تحول جذري في مجرى الصراع العربي الإسرائيلي .

فإذا مد ساسة إسرائيل أبصارهم إلى المنطقة العربية من حولهم، فسيرون حالة مضطربة يختلط فيها العجز الكامل والممتد للأنظمة العربية، التي تنجو بنفسها شيئاً فشيئاً من التبعات التاريخية، للصراع، وبين نبض شعبي، ينجح حتى الآن، على محدوديته، في عجز إسرائيل عن تحقيق التماهي بين نفوذها السياسي، المتغلغل شيئاً فشيئاً، وبين نفوذها العسكري، الذي مني بحالتين من الفشل، جنوباً وشمالاً، رغم الآلة العسكرية الإسرائيلية الجبارة .

إنها مرحلة مرشحة للتأرجح في إطار الدوام والاستمرار، إلا إذا أخذ العرب الدرس من مرور ثماني سنوات على إطلاق المبادرة العربية من دون أن تكتسب هذه المبادرة، أي وزن حقيقي على أرض الصراع، لأن المسؤولين عنها عربياً، لم يقرروا بعد أن يزودوها بمصادر القوة على جميع المستويات، حتى تتخذ لنفسها شكل وجود عربي حقيقي، ووزن عربي حقيقي في مجرى الصراع .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"