حدود التمدد الروسي في الشرق الأوسط

03:41 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق

الاعتقاد الشائع بين الخبراء السياسيين الأمريكيين بشأن التمدد الروسي في الشرق الأوسط، هو أن موسكو تحصد مكاسب التراجع المتواصل لدولتهم، وانحسار اهتمامها ونفوذها في المنطقة، ومن ثم فإن المحصلة هي خسائر استراتيجية أمريكية مقابل أرباح روسية خالصة. غير أن لمؤسسة «راند» البحثية الأمريكية الشهيرة رأياً آخر، يقول إن التغلغل الروسي في المنطقة، وإن كان مزعجاً، إلا أنه يجب ألا يخيف، أو يقلق واشنطن أكثر من اللازم، لأنه محكوم بقيود وحدود لا يمكنه تجازوها في النهاية، ولن يؤدي إلى تقليص، أو تهديد المصالح والنفوذ الأمريكيين في الشرق الأوسط.
ومن المؤكد أن هذا التقييم المتفائل لمؤسسة بحجم وأهمية «راند» لا يأتي من فراغ، حتى لو جاء معاكساً للتيار السائد بين المفكرين السياسيين الأمريكيين. وفي دراستها المطولة بهذا الشأن لا تنكر «راند» أن روسيا أحرزت، بالفعل، نجاحات مهمة في سبيل استعادة نفوذها في الشرق الأوسط. وقد بدأت مساعيها الجادة قبل سنوات من دخول قواتها إلى سوريا، إلى أن أصبح حضورها بادياً للعيان في أنحاء المنطقة العربية.
ونجحت روسيا كذلك في صياغة معادلة صعبة بإقامة علاقات طيبة مع أطراف متناحرة، أو متخاصمة، مثل إيران والدول العربية، وإيران و«إسرائيل». وإلى الآن تبدو قادرة على السير على حبل رفيع للتوازن بين الأطراف المتنافرة الصديقة لها. نجحت أيضاً في التخلص من الميراث السوفييتي بإقامة علاقات بعيداً عن أي التزام عقائدي، أو أيديولوجي. وركزت على إبرام اتفاقيات تعود عليها بالنفع اقتصادياً، وسياسياً، وأمنياً.
ورغم هذا النجاح الذي لا تنكره دراسة «راند»، إلا أنها تؤكد أن ما تحققه موسكو في الواقع، ورغم أهميته، لا يمثل سوى مكاسب تكتيكية محدودة. وإن استراتيجية التغلغل التي تتبعها تحمل في طياتها عوامل انحسارها. ذلك أن النهج الذي تتبناه هو إقامة علاقات اقتصادية أو أمنية ذات طابع مؤقت، وليس شراكات استراتيجية، فضلاً عن تحالفات ذات طابع دائم، كما تفعل الولايات المتحدة.
وتتجنب روسيا تقديم تعهدات، أو التزامات أمنية، أو سياسية قاطعة للدول التي تتقارب معها، سواء لعدم قدرتها على الوفاء بأعباء هذه الالتزامات، أو لعدم وجود مصلحة حقيقية لها في التورط في أزمات لا ناقة لها فيها ولا جمل. ولا ينسى المخططون الروس بالطبع أن المجال الحيوي لبلدهم هو أوروبا وبلدان الجوار الآسيوي، وليس الشرق الأوسط.
وتلفت الدراسة النظر إلى بعد آخر، هو أن الكثير من المكاسب التي تحصدها روسيا في الشرق الأوسط يأتي من خلال اقتناص فرص عابرة، مثل أزمة طارئة بين أمريكا وأي دولة عربية تتوقف خلالها واشنطن عن تزويدها بالسلاح، فتتجه هذه الدولة إلى روسيا للحصول على ما تريد، والضغط أيضاً على الحليف الأمريكي. هذا النمط من التقارب الانتقامي يكون محدوداً ومؤقتاً ولا يتحول إلى تحالف بين الجانبين. ولا تمانع روسيا في استثمار مثل هذه الفرص التي تشمل أيضاً الأخطاء الأمريكية على نحو ما يحدث في سوريا، أو كما فعلت بتطوير علاقاتها مع العراق بعد أن بدأت أمريكا تتخلى عنه منذ عهد أوباما.
ومع ذلك، تظل هذا المكاسب عابرة، ووقتية، ولا تهدد المصالح الأمريكية، لأنها ببساطة لا ترقى إلى مستوى التحالفات الاستراتيجية التي تقيمها أمريكا مع بلدان المنطقة والتي لن تستغني عن الشريك الأمريكي، حتى ولو طورت علاقاتها مع روسيا، سواء لمصالح حقيقية، أو على سبيل المكايدة مع أمريكا في أوقات الأزمات العابرة.
خلاصة ما تذهب إليه الدراسة، أن التغلغل الروسي في الشرق الأوسط محكوم بسقف لن يتخطاه، وأن روسيا يمكنها الاستفادة من أخطاء أمريكا، أو استغلال الفرص التي تتيحها الظروف، إلا أنها لا تستطيع تحقيق اختراق حقيقي. ولن تكون صانعة للأحداث، أو محركة لها، ولن تصبح بديلاً عن أمريكا. الهيمنة والنفوذ والسيطرة ستظل في المستقبل، كما هي في الحاضر، حقاً حصرياً للولايات المتحدة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"