حقائق حول جوائز الأكاذيب

02:36 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق

الجولة الأخيرة في الحرب العبثية الدائرة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والإعلام في بلاده تجسد المأساة العبثية في أشد تجلياتها هزلاً. رئيس القوة العظمى الوحيدة في العالم يجد وسط مشاغله الكثيرة، ما يكفي من الوقت والاهتمام والجهد ليعلن بجدية كاملة عن جوائزه للإعلام الكاذب. أو القصص الإخبارية الزائفة أو المفبركة، وأكثرها فساداً وتجرداً من النزاهة على حد وصفه.
قائمة ترامب ضمت 11 كذبة تعرض لها في وسائل الإعلام الكبرى مثل شبكة «سي إن إن»، التي حظيت بالنصيب الأوفر من جوائزه بواقع أربع جوائز، يليها «نيويورك تايمز» بجائزتين مع تصدرها القائمة. ثم باقي المؤسسات بجائزة لكل منها، وضمنها صحيفة بحجم وقوة «واشنطن بوست». الجائزة الأخيرة أي رقم 11 لم يمنحها لصحيفة محددة وإنما لتعبير استخدمته الصحف عامة وهو «المؤامرة الروسية» في إشارة إلى التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسة الأخيرة. ويعتبر ترامب أن هذه المؤامرة المزعومة أكبر خدعة تعرض لها الشعب الأمريكي على الإطلاق.
لم يسبق أن وصلت علاقة بين رئيس أمريكي والإعلام في بلاده إلى هذا المستوى من العداء السافر والكراهية البغيضة والتشويه المتبادل. وبضمير قاضي لا يمكن تبرئة ترامب. لا يعنى هذا إعفاء الإعلام من المسؤولية، هناك جانب من الحقيقة في اتهاماته. غير أن وسائل الإعلام التي نشرت أو أذاعت أخباراً غير صحيحة تسئ إليه سرعان ما اعتذرت أو صححت روايتها. كما أن الكثير مما يرصده من أكاذيب نشر على «تويتر» وتم حذفه أو تعديله بعد دقائق قليلة.
وجائزة العار الأولى التي منحها إلى بول كروجمان الخبير الاقتصادي الحائز نوبل والكاتب في «نيويورك تايمز» لا تتعلق بخبر وإنما برأي عن توقع عجز الاقتصاد عن التعافي بعد فوز ترامب.
وبينما اعتذرت الصحف المخطئة لم يحدث قط أن اعتذر ترامب أو تراجع عن أي معلومة غير صحيحة أدلى بها. وتحصي الصحف ما يزيد على ألفي معلومة أو بيان أدلى بها ينطبق عليها وصف الكاذبة. بينما ترصد مصادر إعلامية 1300 معلومة غير صحيحة منسوبة إليه منذ انتخابه.
للحقيقة جانبان مهمان في هذه الحرب الضروس، الأول أن ترامب على نحو خاص لا يحق له أن يجعل من نفسه حكماً للحكم على مصداقية وصدق الآخرين. ويقول خصومه دائماً إنه لا يعادى الإعلام وإنما يعادي الحقيقة نفسها. وإن خصومته معها تنسحب تلقائياً على علاقته بوسائل الإعلام الباحثة بطبيعتها على الحقائق، بالتالي فإن صدامه مع الصحافة يبدو حتمياً.
ويرصد خصومه الكثير من العبارات التي تشي بعدائه الحاد للإعلام مثل قوله إن الصحافة لا تحب أمريكا، والإعلام عدو الشعب، والصحفيون أكثر البشر تجرداً من النزاهة، إلى جانب حديثه المكرر عن مؤامرة إعلامية تستهدفه.
الجانب الآخر من الحقيقة يقول إنه إذا كان ترامب هو أكثر الرؤساء الأمريكيين عداء وكراهية للإعلام فهو أكثر الرؤساء أيضاً تعرضاً للتشويه الإعلامي والنقد اللاذع. وهناك دراسة توضح أن نحو 90% من التغطيات الإعلامية عنه سلبية.
حقيقة أخرى لم تحجبها قائمة الأكاذيب ويبدو أن ترامب لا يريد الاعتراف بها وهي أنه لن يخرج فائزاً من هذه الحرب. ترامب لا يصطدم في الواقع مع الإعلام، لكن مع قيمة أكبر هي حرية التعبير وهي أحد الثوابت الراسخة في الوجدان الأمريكي ولا يمكن زعزعتها أو النيل منها. الإعلام هو الضمير الحي للمواطن الأمريكي العادي، والمدافع عن همومه ومصالحه. وهو الأداة الأقوى في تشكيل وعيه ورأيه وقراره الانتخابي. الأمريكي لا يشغل نفسه كثيراً بتفاصيل السياسة ولا يتابع السياسيين والرؤساء عن كثب. وهو لا يحدد الطيب والشرير منهم من خلال تحليل معمق، لكن بناء على كبسولات إعلامية جاهزة يتعاطاها يومياً، ولذلك لن يكون ترامب في الجانب الذي يتمناه عندما يصدر حكم موطنيه عليه.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"