خديعة القضاء على الإرهاب

03:20 صباحا
قراءة 3 دقائق
حسام ميرو
كان إعلان الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما في التاسع من سبتمبر/أيلول 2014 بدء العمليات العسكرية «الجوية» ضد تنظيم «داعش» في سوريا، هو المقدمة الرئيسية لانطلاق التحالف الدولي ضد الإرهاب، ومنذ ذلك الحين أصبح قتال هذا التنظيم مهمة دولية وإقليمية معلنة، خصوصاً بعد تصنيف «داعش» تنظيماً إرهابياً بقرار أممي صادر عن مجلس الأمن الدولي. وعلى الرغم من مرور عامين ونصف العام تقريباً من إعلان أوباما، وبدء الغارات الجوية، إلا أن التنظيم ما زال موجوداً بقوة في العراق وسوريا، بجانب تنظيمات إرهابية أخرى، وفي مقدمتها «جبهة النصرة» التي غيّرت اسمها إلى «فتح الشام»، وأعلنت أنها فكّت ارتباطها بتنظيم «القاعدة»، في خطوة إعلامية أكثر من كونها حقيقية.
إن دخول الولايات المتحدة على خط قتال «داعش» في العراق وسوريا، هو استمرار اعتبارها مكافحة الإرهاب قضية استراتيجية من منظور الأمن القومي الأمريكي، بعد أحداث سبتمبر/ أيلول 2011، لكن نسخة «داعش» التي لا تهدد بشكل مباشر الولايات المتحدة، قد جعلت الانخراط الأمريكي في الحرب على «داعش» لا يرقى إلى التهديدات الفعلية التي يشكّلها هذا التنظيم، بل إن العديد من التصريحات الأمريكية مالت إلى عدّ الحرب على التنظيم عملية طويلة، قد تستغرق زمناً طويلاً، وهو ما يعكس الرؤية الأمريكية الجديدة للحرب على الإرهاب، والتي تقوم على عدم الانخراط المباشر في عمليات عسكرية ضد التنظيمات الإرهابية، وإنما ترك هذه المهمة للدول التي تعاني بشكل مباشر تهديدات تلك التنظيمات.
لقد تزامن هذا الانخراط الأمريكي المحدود في القضاء على الإرهاب مع انكفاء أمريكي عن ساحة الشرق الأوسط، وبدت إدارة أوباما راضية بما حققته على صعيد الملف النووي الإيراني، من دون أن تأخذ بالحسبان التكلفة العالية لهذه الاستراتيجية على التوازن السياسي والأمني في منظومة الشرق الأوسط، وما يتفرّع عنها من قضايا، لا يمكن حصرها في الإقليم فقط، من مثل أمن أوروبا، الحليف الاستراتيجي الدائم للولايات المتحدة، بالإضافة إلى حدوث خلل في منظومة العلاقات الدولية نفسها، وهي منظومة لا يمكن الادعاء اليوم بأنها في حالة مستقرة.
وإذا كان الأمريكيون قد آثروا وضع دول المنطقة في مواجهة الإرهاب، انطلاقاً من رغبة زجّ الآخرين في مواجهة مشكلاتهم، فإن الإرهاب، في السياقات السياسية التي نجدها اليوم، لم يعد إلا عنواناً من عناوين كثيرة في ساحة الصراع بين دول الشرق الأوسط، فهو في المحصلة نتيجة لسوء إدارة الأزمات في المنطقة، وليس سبباً لها، وإحدى نتائج التردد الأمريكي في الضغط على مختلف الأطراف تجاه حلول سياسية، خصوصاً في الملف السوري، والذي بات العنوان الأبرز للصراع بين الدول الإقليمية.
ففي الساحة السورية، دعمت الولايات المتحدة الأمريكية الجيش السوري الحر، بشكلٍ محدود، وضبطت سلوكه، بينما بقيت القوى الإرهابية في حالة من حرية الحركة، من دون أي ضغط جدّي تجاه تقليص مساحة نفوذها، حتى باتت المعادلة الميدانية لمصلحة تلك القوى، وهو ما أضعف بشكل جدّي أي فرصة لتقوية المعارضة السياسية السورية في التفاوض، وتأمين مخرج للعملية الانتقالية، وأسهم في حرف الصراع الوطني نحو مكافحة الإرهاب، بدلاً من إعطاء الأولوية للتفاوض الذي يفضي إلى وضع حدٍّ للصراع السياسي، وتأمين نظام سياسي، يكون قادراً على الإسهام جدياً في مكافحة الإرهاب.
وعلى الساحة الإقليمية، فإن معظم الدول ترى أن التعاون فيما بينها على مكافحة الإرهاب لا يمكن أن يحدث، وأن يعطي نتائج فعالة وملموسة، إذا لم يحدث توافق جدّي على شكل منظومة الأمن والاستقرار في المنطقة، وهو ما لن يكون متاحاً من دون وجود ظروف مناسبة لهذا التوافق، خصوصاً لجهة توقف التمدد الإيراني في المنطقة، والذي انخرطت فيه طهران بشكل أوسع في ظل إدارة أوباما، وغياب أي إرادة أمريكية لضبط سلوك طهران.
وإذا كانت أمريكا قد تركت العديد من المهمات في سوريا للاعب الروسي، فإنه غير قادر لجملة من الأسباب الموضوعية والذاتية على لعب دور واسع في تأمين توافق الأطراف الإقليمية، فهو لا يمتلك روافع حقيقية في علاقته مع دول المنطقة، تؤهله لأن يضغط على مختلف الأطراف، وبالتالي فإن الدور الذي يحاول القيام به سيبقى محدود الفعالية، طالما أن الولايات المتحدة غائبة عن ساحة التسويات الإقليمية.
إن الحرب على الإرهاب في ظل هذه المعطيات لا تغدو أكثر من خديعة، لتمرير الوقت الضروري، وملء الفراغ الناشئ عن الخلل في العلاقات الإقليمية، وهو ما ستستفيد منه التنظيمات الإرهابية، طالما أن لا ظروف سياسية مناسبة أمام التسويات الضرورية في الملفات الكبرى للخلاف بين الدول الرئيسية في الشرق الأوسط.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"