دروس من الماضي لقمة اليوم

03:33 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق

منذ انعقاد قمة طهران في أوج اشتعال الحرب العالمية الثانية، وحتى اللقاء الذي تستضيفه العاصمة الفنلندية اليوم، حقق زعماء الولايات المتحدة وروسيا (وقبلها الاتحاد السوفييتي) الكثير من الإنجازات العظيمة، وسجلوا أيضاً العديد من الإخفاقات الضخمة. ومن المؤكد أن جانباً مهماً من نتيجة قمة هلسنكي ستحدده قدرة الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب، والروسي فلاديمر بوتين على استيعاب دروس الماضي، ومدى فهمهما لأسباب نجاح أو فشل القمم السابقة.
لهذا السبب رأت مؤسسة راند البحثية الأمريكية الشهيرة أن توفر على الرئيسين الوقت والجهد للبحث والتعلم، وقدمت لهما ملخصاً مركزاً للدروس المستفادة من قمم الماضي حددتها في ستة دروس تشرح لماذا كان النجاح أو الفشل. الدرس الأول هو أن المبادرات الشخصية الطيبة أو المجاملات الإنسانية يمكن أن تكون مفيدة ولكن تأثيرها يظل محدوداً.
على سبيل المثال في قمة طهران 1943 أقدم الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت على تصرف غير معتاد بأن أقام في السفارة السوفييتية هناك كإشارة ود ومحاولة لكسب ثقة نظيره السوفييتي جوزيف ستالين. بعد ذلك بعامين أغدق على ستالين الثناء خلال قمة يالتا، ولكن في المرتين لم ينجز الأمريكيون نجاحاً يذكر، بينما حقق ستالين معظم أهدافه.
الدرس الثاني يقول إن القمم تعكس الواقع ولا تخلقه. بمعنى أن النتائج تأتي معبرة في النهاية عن حقائق القوة على الأرض. المثال الأوضح كان في قمة يالتا التي أسفرت عن اتفاق لتشكيل حكومة أوسع نطاقاً في بولندا، ولكن لأن الاتحاد السوفييتي كان يحتلها فلم ترضخ موسكو لمطالب واشنطن ونفذت الاتفاق بالقدر الذي رأت أنه مناسب لمصلحتها. تكرر نفس الدرس على نحو عكسي في قمة واشنطن 1978 عندما وقع الرئيس الأمريكي رونالد ريجان معاهدة الحد من الأسلحة النووية مع نظيره السوفييتي ميخائيل جورباتشوف. وبسبب ميل موازين القوة لصالح أمريكا خضع جورباتشوف لمطالبها وتنازل عن شرطه بربط إبرام المعاهدة بتخلي واشنطن عن برنامج الدفاع الصاروخي.
خلاصة الدرس الثالث تفيد بأن مخاطر فشل القمة تزيد عندما تكون العلاقات متدهورة بين البلدين. حدث هذا في مايو 1960 عندما فشلت قمة باريس بين الرئيس الأمريكي ايزنهاور والسوفييتي نيكيتا خروشوف على خلفية أزمة سقوط طائرة تجسس أمريكية فوق روسيا في نفس الشهر مما فجر أزمة كبيرة بينهما.
رابع الدروس المستفادة وأقربها للحدوث اليوم هو أن الاتفاق بين الدولتين على معاهدات الحد من التسلح يكون أسهل كثيراً من اتفاقهما بشأن النزاعات الدولية. ومن المعروف أن اتفاقات الحد من التسلح تواصلت بين البلدين طوال السبعينات والثمانينات بينما كانت الأزمات بينهما تتفاقم حول أفغانستان وأمريكا الجنوبية والشرق الأوسط. ولذلك يظل الاتفاق على تجديد معاهدة ستارت الآن أكثر ترجيحاً من الاتفاق الشامل حول سوريا أو أوكرانيا أو إيران خلال قمة هلسنكي.
تستخلص راند الدرس الخامس والذي يوضح أن الإعداد غير الكافي للقمم هو أقصر طريق لفشلها كما حدث في قمة فيينا 1961 بين جون كيندي وخروشوف وبدأ بعدها بناء سور برلين. بينما يعتبر المراقبون أن الإعداد الجيد كان السبب الأول لنجاح قمة ريجان وجورباتشوف 1987.
أخيراً يختص الدرس السادس بالرئيس الأمريكي وينصحه بألا يستبعد الكونجرس من التفاوض حول أي اتفاق تجنباً لإخفاقين شهيرين. الأول كان بعد قمة موسكو 1974 عندما وقع الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون معاهدة حظر التجارب النووية مع ليونيد بريجينيف ثم رفضها مجلس الشيوخ. تكررت الأزمة مرة أخرى بعد قمة فيينا التي وقع خلالها جيمي كارتر معاهدة سولت2 ورفض نفس المجلس التصديق عليها. وقد استوعب ريجان الدرس جيداً وأشرك الكونجرس بعد ذلك في المفاوضات وحصل على الموافقات اللازمة.
الأمل أن يستوعب ترامب وبوتين هذه الدروس القيمة ليس لمصلحتهما فقط ولكن من أجل عالم مضطرب يتمنى ألا يخسر الرهان على حكمة الرجلين اليوم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"