دروس وعبر المشهد السوري

04:11 صباحا
قراءة 3 دقائق

هناك دروس وعبر في المشهد السوري تميِّزه عن كل مشاهد ثورات وحراكات الربيع العربي . إنه مشهد متكامل في مآسيه وجنونه وبلاداته وحقارات بعض لاعبيه .وهو يصلح لأن يكون في المستقبل مُقرراً دراسياً في علم السياسة لإبراز تعايش الحقّ مع الباطل، وتناغم المتناقضات في رسم صورة سريالية عبثية أين منها تراجيديا الإغريق .

الملحمة في الساحة السورية هي في الواقع كارثة وطنية وقومية وإسلامية وإنسانية وأخلاقية بامتياز . أي إن تفاصيلها تحتاج إلى كتب، ولكن يهمنا أن نشير إلى بعض الظواهر كدروس وعبر .

* أولا - هناك موضوع الأحزاب التي يمُارس الحكم باسمها في العديد من الأقطار العربية، ومن بينها سوريا، لو أن هذه الأحزاب لها وجود فاعل مستقل لتدخلت في المراحل الأولى من الحراك الشعبي ضد الحكم ووقفت بحزم ضد ممارسة انتهازية الحلول الهامشية والاقتصادية على تقديم الفتات من التنازلات وممارسة أجهزة الحكم البطيء الشديد المتعمد في اتخاذ القرارات التي تهدئ الأوضاع وتعطي الأمل في الاستجابة .

إن مأساة، تلك الأحزاب هي في وصولها إلى حالة موت الحس المتفهَم لمطالب الجماهير الغاضبة وتشوّه الضمير الأخلاقي عند قادتها، وبالتالي انقلابها الى واجهات صورية .

إن ما حدث في سوريا وغيرها هو درس للأحزاب العربية في ألا تسمح قط، نظاماً وتنظيماً وعلاقات مع قوى مجتمعاتها، بأن يخطف الحزب جيش يريد الحكم أو قائد مدعي العبقرية أو طائفة تستدعي التاريخ والفقه المتخلّف أو قبيلة تدعي التميز في معرفة ما هو صالح للأوطان . الحزب الذي لا يمارس الديمقراطية في حياته اليومية ولا الاستقلال عن بيروقراطية الحكم بصورة تامة والقدرة على قول لا للحكم الذي يتكلم باسمه، هذا الحزب يجب ألا يكون له قط محل في الحياة السياسية العربية مستقبلاً .

* ثانياً: هناك قوى في المجتمعات العربية التي إن سمح لها بالانخراط في الحراكات والثورات، حتى ولو على الهوامش، فإنها ستسمّم الأجواء وتحرف العفوية الشعبية . من هذه القوى قوى الإسلام التكفيري الطائفي الممارس للعنف والقتل العبثي للأبرياء .

الثورات والحراكات التي لا تعرف كيف تتجنّب وضع اليد في يد المندسّين لتحقيق أهداف تخصُّهم ولا دخل لها إطلاقاً بالمطالب الشعبية العادلة، لا يحقُ لها أن تطالب أحداً بإسنادها . فإذا أضيف إلى ذلك ارتباط تلك القوى الدَخيلة . بجهات غير ديموقراطية وغير معنية بشعارات الجماهير في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية فإنّ الحراكات الجماهيرية ستسلّم نفسها ليد القدر المظلم .

* ثالثاً- كان السماح للمشهد السوري أن يصل إلى ما وصل إليه من موت ودمار مدن وتهجير للملايين وطائفية سوداء بغيضة حقيرة وتدخلات خارجية منزلة سافرة، ووصول سوريا إلى حافة الخروج من التاريخ . . كان السماح بذلك وصمة عار في جبين العمل العربي المشترك . لا الجامعة العربية ولا المؤسسات القومية المدنية ولا المحسوبون عقلاء هذه الأمة، فعلوا شيئاً أساسياً مفصلياً يذكر لمنع هذه التراجيديا السورية البائسة .

إذا كان الانتماء العروبي لا يساعد المنتمين في أوقات الشدة والمحن، فما فائدة هذا الانتماء إذن؟ إذا لم يصلح النظام الإقليمي القومي العربي نفسه، وإذا لم يجر التفكير في وجود كتلة مدنية سياسية عربية قادرة على الفعل خصوصاً في أوقات الأزمات والكوارث الكبرى، فإن المستقبل العربي هو في خطر مظلم حامل للأهوال .

* رابعاً - لقد عانت الأمة العربية ما عانت، منذ منتصف القرن الماضي، بسبب الانقسام والتناحر بين الإسلام السياسي المعقول والقومي العروبي السياسي المعقول بأشكاله المختلفة . لقد بذلت جهود هائلة لحل هذا الإشكال . على الأقل أثناء المرحلة التاريخية الحالية الخطرة التي يعيشها الوطن العربي . لكن الربيع العربي، بما فيه سوريا، أظهر أن الطبع يغلب التطبّع .

ترى هل كان بإمكان المشهد السوري أن يتجنّب قضية الإسلاميين التكفيريين الشائكة لو أن أيادي الجهتين كانت ممدودة في أول أيام الحراك الشعبي؟ ما عاد بالإمكان تأجيل هذا الموضوع الذي يستغله كل فاجر أثيم على مستوى الاجتهادات الفقهية الطائفية والإعلام المجنون والخارج المتربص المستفيد .

الآن وهناك جريمة أخرى على الأبواب، هل يستطيع شباب ثورات وحراكات الربيع العربي أن يدركوا بأن أمتهم، وسوريا المثال الأسوأ، تعيش أحلك أيام تاريخها القديم والحديث، فيتمعنوا بعمق شديد وبضمير أخلاقي وبحسّ قومي عروبي ملتزم في الذي يحدث أمامهم ويتصرّفوا خارج تلك الأخطاء والخطايا، وهي كثيرة جداً ليرهبوا ألق الربيع العربي الذي تكاثرت عليه الذئاب نهشاً وتمزيقاً؟ النظرات المحدودة والحلول الصغيرة لن تنفع .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"