رسائل «رائعة» و«ممتازة»

01:53 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي

يتبادل زعماء الدول وكبار المسؤولين في العالم الرسائل فيما بينهم، وذلك في إطار العلاقات الرسمية بين الدول، ولكن قلما توصف هذه الرسائل بأنها «شخصية». ولئن كان من الصحيح أنه تنشأ صداقات شخصية بين بعض الزعماء والقادة كما يحدث بين بقية البشر، إلا أن الصداقات الشخصية بين الزعماء تظل بحكم طبيعتها هذه، بعيدة عن الأضواء والتداول.
الأحد الماضي 23 يونيو، أفادت وكالة أنباء كوريا الشمالية بأن زعيمها كيم جونج اون، قد تلقى رسالة «شخصية» من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. ونقلت الوكالة عن كيم ارتياحه لما وصفه «المضمون الممتاز» للرسالة. وعدا عن طابع هذه الرسالة، فإن بيونج يانج هي من كشفت عنها، فيما لم يصدر عن البيت الأبيض حتى تاريخه، شيء عن هذه الرسالة.علماً بأن الأجواء متوترة بين الجانبين وذلك بعد إخفاق آخر قمة بينهما في هانوي عاصمة فيتنام في فبراير الماضي.
وقد دأب الزعيمان الأمريكي والكوري الشمالي على تبادل الرسائل بينهما، الأمر الذي كسر الجليد بينهما. وكان ترامب أعلن في 11 يونيو الجاري أنه تلقى رسالة وصفها بأنها «رائعة» من نظيره الكوري الشمالي. من دون أن ينجح هذا التواصل في ردم الفجوات بين الجانبين، والمتعلقة برفع العقوبات عن بيونج يانج ونزع أسلحتها النووية.
واللافت في الأمر أن تبادل الرسائل بين ترامب وكيم يتم في أجواء التوتر العالي بين الولايات المتحدة وإيران. وهناك كما هو معلوم تعاون عسكري واسع بين طهران وبيونج يانج، حيث تستفيد الأولى من الخبرات الكورية الشمالية في مجال تصنيع الصواريخ والغواصات المقاتلة. غير أنه ليس لدى كوريا الشمالية ذلك النفوذ السياسي على إيران،كما هي الحال مع روسيا أو الصين مثلاً. وقد نأت بيونج يانج بنفسها عن النزاع الإيراني- الأمريكي، محتفظة في الوقت ذاته بعلاقاتها الوثيقة مع طهران. وما يمكن استخلاصه أن الرئيس ترامب يرغب في إبراز توجهات سلمية لإدارته في هذه الآونة التي تزخر بالتوتر. والعودة إلى بث الحرارة في الاتصالات مع بيونج يانج.
وقد لعبت الصين في الآونة الأخيرة دوراً في التهدئة بين الجانبين، حيث قام الرئيس الصيني شي جين بينج الخميس 21 يونيو بزيارة دولة إلى بيونج يانج وهي الأولى منذ 14 عاماً لهذا البلد. وكان موضوع نزع الأسلحة النووية على رأس جدول الأعمال. وللصين دالة كبيرة على كوريا الشمالية كونها مصدراً رئيسياً لتزويد هذا البلد بالأغذية، في الوقت الذي تطبق فيه العقوبات الغربية عليه. وتسعى بكين لتهدئة الحرب التجارية مع واشنطن وتبريد التوتر الإيراني- الأمريكي، حيث تتزود الصين بالنفط الإيراني.
وتلعب الكيمياء المتبادلة بين الرئيسين كيم وترامب دوراً في هذا التقريب بينهما. فهما متقاربان في خصائص الاعتداد والعناد، والفردية الظاهرة. وبينما يعمل كيم على إعدام المتقاعسين ومن يعتبرهم فاتري الهمة من مسؤولي بلاده، فإن ترامب يسارع إلى إقالة مثل هؤلاء في إدارته. وقبل نحو عامين فقط كان الرئيس ترامب قد نعت نظيره الكوري الشمالي بأنه «رجل الصواريخ». غير أن الانطباعات بينهما سرعان ما تبدلت بعد القمة الأولى لهما في سنغافورة في العام الماضي. حيث أخذ ترامب يتحدث عما اسماه بالتزامه ب«دبلوماسيته الشخصية» مع كيم. ولم يتردد ترامب في القول أواخر العام الماضي أن صداقته بكيم «طيبة جداً جداً».. لدرجة قال معها أنهما «تحابّا». لم يتحدث كيم بشيء من هذا، لكن سلوكه ظل ينم عن تقديره الشخصي لترامب رغم الخلافات. وكانت دوائر بيونج يانج انحت باللائمة على مسؤولين في البيت الأبيض في جمود المفاوضات من بينهم وزير الخارجية ونائب الرئيس مايك بنس.
أما رد فعل كيم على رسالة الأحد الماضي من ترامب إلى كيم فوصفتها وكالة أنباء كوريا الشمالية، بأنه «سيدرس بعناية محتواها المهم، تعبيراً عن تقديره لقدرة الرئيس ترامب على الحكم السياسي وشجاعته الاستثنائية». وهكذا فإن الإشارات الودية تتزايد وتتصاعد بين الزعيمين، وعلى الأغلب فإن بيونج يانج سوف تستثمر الفترة المتبقية من ولاية ترامب لتحقيق نقلة في العلاقات مع واشنطن تعيدها إلى العالم، وتسمح باستئناف علاقات بيونج يانج مع دول الغرب، بعد أن طال أمد العزلة «الثورية» لهذا البلد، وغياب كيم عن المنابر الدولية بما فيها الأمم المتحدة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"