زيتون فلسطين والانتفاضة

05:44 صباحا
قراءة 3 دقائق

حدث هذا المشهد ذات يوم خريفي في مطلع هذا الشهر، في إحدى القرى الفلسطينية القريبة من مدينة رام الله: في ذلك الصباح، توجه نفر من مزارعي الزيتون الفلسطينيين، لقطاف زيتونهم في موسمه السنوي المعتاد، وما أن وصلوا إلى حقل الزيتون، حتى فوجئوا بأن المستعمرين (المستوطنين) الصهاينة قد سبقوهم اليه، وقاموا باستخدام مناشيرهم في نشر وإعدام أشجار الزيتون كلها، التي كانت مرمية على الأرض كجثث الموتى .

تتمة هذا المشهد، في موقف المزارعين الفلسطينيين أصحاب الأرض ومحصول الزيتون، الذين أكدوا أن لا جديد في الأمر، فقد أصبحت هذه عادة سنوية يقوم بها المستعمرون الصهاينة في مطلع كل موسم زراعي ومع ذلك (يقول المزارعون الفلسطينيون)، سنبقى في أرضنا، ونكرر في كل سنة زراعة أرضنا، وانتظار المحاصيل في مواسمها .

السؤال هو: أي من المشهدين هو الأكثر تعبيراً عن مستقبل القضية الفلسطينية: مشهد هؤلاء المزارعين في صراعهم المتكرر والمستمر مع المستعمرين الصهاينة، أم مشهد ممثلي السلطة الفلسطينية في المفاوضات البائسة مع سلطة الاحتلال الإسرائيلي؟

ومع أن الجواب عن هذا التساؤل يمكن اعتباره بديهياً وواضحاً وحاسماً، إلى جانب المشهد الأول، فإن من أغرب ما يمكن مشاهدته في هذه الأيام، منظر أعضاء من السلطة الفلسطينية في رام الله، يتوزعون على الفضائيات العربية، يدافعون بحرارة وحماسة عن فائدة المفاوضات، بل واحتكارها للفائدة المرجوة للنضال الفلسطيني، من دون سائر الأساليب الأخرى .

نرى هذا المشهد الذي أصبح مملاً يتكرر على شاشات الفضائيات العربية، ونرى النتيجة العملية على أرض فلسطين، تتراكم من مشهد قيام المستعمرين الصهاينة بإتلاف مواسم المزارعين الفلسطينيين، في أراضي العام ،1967 المحتلة بنظر القانون الدولي، إلى مشهد التوسع المستمر والمتواصل والمتوحش في المستوطنات الكبرى والصغرى، الثابتة والعشوائية، في طول الضفة الغربية وعرضها، إلى مشهد استكمال تهويد القدس الشرقية، التي ما زال المفاوض الفلسطيني يعتبرها عاصمة الدولة المقبلة في نهاية المفاوضات، في وتيرة للتهويد تجاوزت نسبة التسعين في المئة، وأصبحت تحيط بالمسجد الأقصى من كل جهاته .

لقد مرّ على المفاوضات المتواصلة بين السلطة الفلسطينية وسلطة الاحتلال الاسرائيلي عشرون عاماً، تطالعنا نتائجها العملية الكارثية على أرض الضفة الغربية وفي غزة يوماً بعد يوم، لكن من المؤكد أن جولة المفاوضات الحالية هي الأشد كارثية بين جولات المفاوضات كلها، لأن التحالف الاستراتيجي الأمريكي- الصهيوني قد اختار لها أسوأ المواعيد فلسطينياً وعربياً، حتى تبدو قضية فلسطين قد انحدرت إلى درك لم تبلغه في يوم سابق، وحتى أصبحت استعادة الأراضي المحتلة في العام 1967 مجرد حلم يقظة مثل استعادة الأراضي المحتلة في العام ،1948 وحتى أصبح اسم فلسطين مهدداً بالاختفاء، أو مجرد الارتفاع فوق بلدية كبرى في بعض ما تبقى من أرجاء الضفة الغربية، تحت سلطة الاحتلال الإسرائيلي، الممتدة حتى حدود الأغوار مع الأردن .

لكننا نعود إلى المشهد الأول، مشهد المزارعين الفلسطينيين المتشبثين بأرضهم وبالعودة إلى قطاف محاصيلها، مع كل موسم، في هذا المشهد، برأيي، وليس في أي مشهد آخر، يكمن مستقبل القضية الفلسطينية، بعد أن أوصلتها المفاوضات إلى حائط مسدود منذ عقدين من الزمن . إنها تباشير الانتفاضة الثالثة التي لا بد من أن يطلقها شعب فلسطين هذه المرة من حقول الزيتون، هذه الشجرة الفلسطينية الخالدة .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"