سياسة الدعم وتجربة مصر

00:57 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. لويس حبيقة
يمر العالم العربي بفترة صعبة لا تقتصر على السياسة والأمن، بل تنبع أيضا من الأوضاع الاقتصادية والمالية المتعثرة بسبب انخفاض أسعار النفط وعدم ضبط الموازنات خلال سنوات طويلة من الانفلاش والفوضى وغياب الحساب والمحاسبة. في نسب النمو وبين سنتي 2013 و 2016، انخفض النمو السنوي في دول مجلس التعاون الخليجي من 3,3% إلى 2,8%، علما أن هنالك دولاً تأثرت أكثر بكثير من غيرها كالبحرين وعمان وقطر والإمارات. تأثرت أيضا الدول المستهلكة للنفط حيث انخفضت نسبة النمو السنوي في دول المشرق العربي من 1,5% في سنة 2013 إلى 1,1% في سنة 2016 علما أن الوقائع تختلف بين دولة وأخرى.

لا تستطيع الدول العربية في معظمها الاستمرار في الفوضى المالية المتمثلة بالدعم من دون حدود والإنفاق العام غير المدروس كما سؤ الجباية المالية بسب التهرب الضرائبي وتفشي الفساد. مارست الدول العربية سياسات الدعم على السلع والخدمات بدأ من السلع الزراعية والمحروقات إلى دعم الكهرباء والمياه وكافة الخدمات. طبقت سياسات الدعم في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بدأ من الأربعينات وازدهرت حتى السبعينات، وبدأ إصلاح هذه السياسات بين سنتي 2010 و 2014 دون أن يلغى الدعم. إذا قارنا أسعار المحروقات بين الدول في سنة 2013، نرى أنها الأدنى عالمياً في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ليس فقط لأنها لا تضم ضرائب بل لأنها مدعومة في العديد من هذه الدول. يهدف الدعم عموماً إلى مساعدة الطبقات الفقيرة على العيش والاستمرار، إلا أن طرق التطبيق تختلف كليا بين وضع وآخر.
في دول المنطقة كان الهدف الأول من الدعم تثبيت الأسعار أي دعم السلعة أو الخدمة عندما تكون أسعار السوق أو التكلفة أعلى من السعر الرسمي الداخلي، أو تحقيق إيرادات للدولة عندما يكون العكس. هدف الدعم إلى مواجهة تقلبات الأسعار الحادة في السلع الأساسية من غذائية ومحروقات وبالتالي تخفيف المخاطر المعيشية أمام المستهلك.
أولا: عبر العقود الماضية، ارتفعت الأسعار الاسمية لمعظم السلع، وبالتالي الأوقات التي تسمح للدولة بتحصيل بعض الإيرادات كانت نادرة. لذا أصبحت مع الوقت سياسات استقرار الأسعار سياسات دعم حقيقية ومباشرة.
ثانيا: من الصعب على الحكومة تثبيت استقرار الأسعار عندما تنخفض هذه الأسعار في الأسواق العالمية. تعلو عندها الأصوات في الداخل لتخفيض الأسعار وبالتالي تضيع معها سياسات التثبيت.
ثالثا: هنالك قوى اقتصادية وسياسية تستفيد مادياً ومعنوياً من سياسات الدعم القائمة وبالتالي تواجه أي إصلاح لهذه السياسات إن كانت لصالح الدولة أو غير ذلك. في معظم الدول، من يواجه الإصلاح ليس المواطن العادي إنما قوى النفوذ والفساد المستفيدة من الأوضاع السيئة الحاصلة والتي ترفض أي تغيير يسيء إلى مصالحها.
لذا تتحول سياسات تثبيت الأسعار عملياً ومع الوقت إلى سياسات دعم للسلع والخدمات مما يدخل هذا الدعم في دائرة الحقوق الاجتماعية والشعبية والإنسانية التي لا يمكن التلاعب بها. هنا الخطورة، إذ لا يمكن للدولة الاستمرار في سياسات الدعم الباهظة كما لا يمكن إلغاء الدعم دون مواجهات شعبية في السياسة وربما في الشارع. لذا يصبح الدعم أداة في دعم الأنظمة وسبباً لاستمرارها وغطاء لفساد الحكومات وسوء ممارساتها لدورها في الاقتصاد.
بسبب انخفاض أسعار النفط وتعثر الإيرادات المالية، تقوم الدول العربية بتخفيف أو إلغاء الدعم كما بإدخال ضرائب حتى ضمن الأنظمة السياسية القائمة. ما الأسباب الحقيقية لإصلاح الدعم قبل إلغائه إذا استمرت الأمور المالية على حالها؟
أولا: هنالك عدوى إيرانية واضحة في هذا الإطار حيث قامت الحكومة بدأ من سنة 2010 بإصلاح نظام الدعم نتيجة العقوبات وتعثر الإيرادات كما الاقتصاد ككل. فالحاجة تبقى دائما أم الاختراع حتى في منطقتنا.
ثانيا: لا يمكن لأي سياسات دعم أن تستمر إلى ما لا نهاية لأنها أصلاً وجدت كي تحل مشكلة ما وبالتالي هي مؤقتة. فإلغاء الدعم حتمي، لكن المشكلة تكمن في التوقيت وفي الإجراءات السريعة الكلية أو التدريجية. إلغاء الدعم دفعة واحدة يحدث اعتراضاً وشغباً في الشوارع والمدن.
ثالثا: إلغاء الدعم حتمي، لكنه لا يمر عموماً من دون تطبيق سياسات تحوز إعجاب المواطن كي يسهل له قبول الإلغاء. مثلاً، تنفيذ ضرب الفساد والفاسدين ووضع اتفاقيات تجارية وإنسانية وبيئية ، كما اتفاقيات هبات أو قروض ميسرة أو مشاريع إعمارية تسهل له العيش أو غير ذلك.
رابعا: من الممكن تقديم الدعم لمجموعات معينة وليس للجميع. فدعم المحروقات مثلاً يفيد الفقير كما الغني الذي لا يحتاج إلى هذا الدعم. لذا هذا النوع من الدعم يشكل هدراً من الصعب الدفاع عنه خاصة في الظروف الصعبة. من الأفضل وقف الدعم وإعطاء مساعدات أو أموال مباشرة للفقراء ينفقونه ، كما يشاؤون على مختلف حاجاتهم.
أخيراً بين الدول العربية التي تمر في فترة صعبة، لا بد من التنويه بالتجربة المصرية بسبب أهمية الدولة في المنطقة وتأثرها اقتصادياً دون أن تكون فيها مشاكل أمنية وسياسية كبيرة. هنالك شح في النقد الصعب مما اضطر المصرف المركزي إلى تحرير سعر الصرف بحيث انخفض سعر صرف الليرة من 8,8 إلى 18 للدولار الواحد.
تعتبر هذه كارثة على الفقراء وأصحاب الدخل المحدود لكنها تشجع في نفس الوقت على السياحة والصادرات. حصلت مصر على قرض من صندوق النقد الدولي يبلغ 12 مليار دولار، إلا أننا نعلم جميعا أن قروض صندوق النقد ترتكز على شروط صعبة. وأدخلت مصر الضريبة على القيمة المضافة، إلا أن هنالك إعفاءات واستثناءات كثيرة تعطل فعاليتها من ناحية الإيرادات. اضطرت الحكومة إلى تخفيض الدعم عن المحروقات علماً أن سلعاً أخرى تبقى مدعومة. هنالك وجع أكيد على المدى القريب سيؤدي، إذا أحسنت الحكومة إدارة الدولة، إلى راحة على المدى البعيد ضمن القروض المعروفة والمساعدات العربية المتوقعة وإيرادات القناة والسياحة. التحدي الأكبر الذي سيواجه الحكومة هو الحفاظ على النظام والهدوء في ظل تنفيذ سياسات الإصلاح المالي المرتكزة على تخفيف الدعم وتحصيل الضرائب. لا بد من إصلاحات أخرى تسهل الاستثمارات، علماً أن مصر تقع في المرتبة 122 في مؤشر البنك الدولي للأعمال وهذا غير مقبول.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"