صفقة بين مَنْ ومَنْ؟

02:37 صباحا
قراءة 3 دقائق
إلياس سحّاب

كأنما جاء توقيت انتشار وباء الكورونا عالمياً، في توقيت مناسب لتغطية أكبر عملية سرقة سياسية وجغرافية وإنسانية تتم في التاريخ البشري المعاصر، فيشغل العالم، المنشغل أصلا عن هذه السرقة، لاستكمال آخر محطات السرقة التاريخية التي أطلق عليها لمزيد من التعمية اسم «صفقة القرن»، تحت جنح كامل من الظلام والطمس والتواطؤ.
وكاد التاريخ البشري المعاصر، أن يشهد مثيلاً مطابقاً لصفقة سرقة فلسطين، بسرقة الاستعمار الأوروبي الاستيطاني لجنوب إفريقيا، غير أن حظ تلك القضية كان وما زال حتى الآن أفضل بكثير من الحظ السياسي لقضية فلسطين، حيث استطاع النضال التحريري لجنوب إفريقيا أن يتوج بقيادة تاريخية، كانت منسجمة قولاً وفعلاً مع المبادئ الأساسية للقضية، هي القيادة التاريخية لنيلسون مانديلا التي قادت من داخل السجن، نضال شعب جنوب إفريقيا، الأمر الذي لم يتوفر للنضال التحريري الفلسطيني، الذي تقلب وما زال يتقلب في محطات من الصعود والهبوط، حتى وقع في فخ البحث عن الحل عن طريق التعامل مع اتفاقية أوسلو.
والحقيقة تقول إن صفقة القرن هي تعبير عن الشراكة الاستعمارية الأمريكية مع الرابح الوحيد من «الصفقة»، نظام الاحتلال الاستيطاني للحركة الصهيونية.
وهكذا نرى أن هذه الصفقة ليست جديدة، بل تم التأسيس لها استعماريا منذ قرن ونيف. وخلاصة الصفقة كما تشي حقيقتها الأساسية، هي استكمال سرقة فلسطين من النهر إلى البحر، والعمل على إلغاء نهائي - إن أمكن- للوجود السياسي لشعب فلسطين، عن طريق تهجير ما أمكن تهجيره إلى دول الجوار العربي، وإخضاع من بقي على أرض فلسطين الى واقع الخاضع بالكامل للاستعياد الاستطياني، بعد تجريده من كامل حقوقه، وبعد تهويد ما تبقى من الأرض.
ومع أن نضال شعب فلسطين قد مر، بعد تلك المحطة، ببوادر بدت في فترات معينة إيجابية، فإن الوضع المزري الحالي، أوصل النضال الفلسطيني الى طرق شبه مسدودة.
أما بالنسبة للمجتمع الدولي، الذي كان يبدو في معظم المحطات أقرب الى منطق السارق والجلاد بالنسبة للضحية، فإنه بدأ منذ سنوات قليلة يعلن عدم الموافقة على المحطة الأخيرة من عملية السرقة، باستكمال تهويد ما احتل في عام 1967، مع ما سبق واحتل في عام 1948.
لكن رغم صدور بعض المواقف الإيجابية نسبياً التي أدت أحيانا الى صدور قرارات ايجابية تساند ولو جزئيا بعض الحقوق الفلسطينية والعربية الأساسية، فإن الكلمة العليا دوليا بقيت، وما زالت حتى اليوم، خاضعة للسياسة الأمريكية، التي دخلت الى القضية بقوة. فقد تم تثبيت وجود «إسرائيل» على قسم من أراضي فلسطين التاريخية من عام 1948، وإلغاء كامل الحقوق التاريخية لشعب فلسطين الأصلي. وفي هذه المرحلة من تطور القضية بدت القوة الأوروبية في المجتمع الدولي، أعجز من أن تعرض رأيها المتميز عن منطق صفقة القرن، بعد أن وصل الجانب العربي الى ما يشبه التخلي الرسمي عن أساسيات القضية.
ومع ذلك، فإننا إذا نظرنا الى الأطراف التي تحتل موقعاً أساسياً في لعبة الصفقة الحالية القذرة، فإننا لن نجد صفقة بين طرفين متخاصمين ومتواجهين، يحاولان الوصول إلى تسوية وسط، لكنها تتحول من ادعاء أنها «صفقة» بين طرفين، إلى استكمال عملية السرقة التاريخية، التي يتفق عليها كل من حماس الامريكي، والسارق الأساسي لفلسطين.
ومع كل هذا التدهور الذي وصلت اليه القضية، ومرور عمليات استكمال السرقة تحت اسم «صفقة القرن» هناك استحالة لاستكمال النجاح الكامل لعملية السرقة المفضوحة، حتى ولو اكتملت لها كل عناصر القوة، وسيطرت على الجهة المقابلة، كل عناصر الضعف، حتى الآن.
إن الصمت المريب الذي يسيطر منذ مدة على خطوات استكمال عملية السرقة التاريخية، والذي جاء انتشار وباء الكورونا، وتحوله الى هاجس يسيطر على جميع المجتمعات البشرية، في شتى أنحاء الأرض، يبقى العنصر الثابت من القضية، الذي لم يعرف تحولا أو تبدلا في المحطات الإيجابية والسلبية للقضية.
إن الوجود الحي لشعب حي هو شعب فلسطين الموزع بين أراضي 48 وأراضي 67 والشتات العربي والدولي يمثل حائط الصد الفعلي لمواجهة صفقة القرن.
ولنعد إلى عنوان الموضوع، إن أي صفقة في العالم، تجارية كانت أم سياسية، تفترض وجود طرفين متواجهين يتم إجراء محاولة لايجاد تسوية عادلة بين الاثنين تحفظ لكل طرف جانباً من جوانب الصفقة. إلا صفقة القرن التي ليس فيها سوى طرف واحد، متفق تمام الاتفاق على استكمال عملية السرقة التاريخية، دون تأمين أي جانب، ولو ضئيل، يحفظ للطرف الآخر شيئاً مهماً ضئيلاً من حقوقه.
إنها بالتأكيد ليست صفقة، ما يتم تقريره أمريكياً وصهيونياً لتصفية قضية فلسطين، هي سرقة موصوفة تشمل احتلال كل فلسطين التاريخية، وإلغاء شعبها وحقوقه، إذا أمكن ذلك، ولكن ذلك هو المستحيل بعينه.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"