ضريبة النصر العسكري في سوريا

02:40 صباحا
قراءة 3 دقائق
حسام ميرو

أعلنت دمشق خلال العام الأخير، تحقيق انتصارات عسكرية حاسمة ضد الإرهاب، وقد كرّر إعلانَ هذا النصر عددٌ من المسؤولين السياسيين، بما فيهم الرئيس الأسد، إضافة إلى الإعلام الرسمي، وهو ما دعمته تصريحات قادة روس في قاعدة حميميم، وكانت دمشق ومن ورائها الحليف الروسي تسعى من خلال تأكيدها إحراز نصر حاسم ضد «المجموعات الإرهابية» إلى فتح ملف إعادة الإعمار في سوريا، وإقناع دول غربية بأنه لا يوجد أي بديل عن النظام، وبالتالي لا مناص من التعامل معه.
حاولت دمشق، على الرغم من المحطات الكثيرة التي مر بها الصراع العسكري، أن تعلن تماسك الأوضاع الاقتصادية في أماكن سيطرتها العسكرية والأمنية، وقد تعاملت مع العقوبات الغربية والأمريكية، من خلال الالتفاف على تلك العقوبات بوسائل شتى، لتوفير ما يلزم من سيولة نقدية لضبط أوضاع الليرة السورية، وتأمين احتياجات الاستيراد، خصوصاً المواد الأساسية لمعيشة المواطن السوري اليومية.
منذ عام 2014، خسر النظام مناطق مهمة في الجزيرة السورية، بداية لمصلحة فصائل إرهابية، وبعد ذلك لمصلحة «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، وبخروج تلك المناطق عن سيطرته فَقد القسم الأكبر من الطاقة الأحفورية، من نفط وغاز، كما خسر القمح السوري، حيث تشكل الجزيرة السورية الخزان الغذائي لمادة القمح لعموم المدن السورية، وقد شكّلت خسارته للطاقة والقمح ضربة قوية لخزينة الدولة، وزادت من احتياجاته لاستيراد المحروقات من الخارج.
اعتمدت دمشق على إيران للحصول على دعم مالي، وهو ما قدمته طهران من خلال خطين ائتمانيين، تم تنفيذ الخط الأول في يناير/كانون الثاني بمقدار مليار دولار لدعم العجز المالي، بينما تم تفعيل الخط الائتماني الثاني في أغسطس/آب من العام نفسه، وقيمته 3.6 مليار دولار، ليتم إنفاقه بشكل أساسي على استيراد المشتقات النفطية من إيران حصراً، كما تدهورت معظم القطاعات الإنتاجية السورية، حيث أدت خسارة مدينة حلب (العاصمة الاقتصادية) في وقت مبكر من الصراع السوري، إلى خسارة كبيرة موازية في العملات الأجنبية، خصوصاً الدولار، الذي كان يأتي من خلال عمليات تصدير البضائع إلى الخليج وأوروبا.
الاهتمام الرئيسي لدمشق لغاية 2018، انصب على العمليات العسكرية، وقد احتاج ذلك إلى دعم مؤسسات وقوى عسكرية رديفة، تمّ صرف مبالغ مالية كبيرة على إنشائها، في الوقت الذي تراجع فيه أداء النظام الضريبي السوري، وكان يعاني قبل 2011 أزمة كبيرة في آليات تحصيل الضرائب.
إصرار دمشق على تحقيق انتصارات عسكرية، جاء انطلاقاً من قناعة لديها بأن هذا النصر كفيل أن يغير مع الوقت مواقف الأطراف الإقليمية والدولية، وبالتالي المباشرة بعمليات إعادة الإعمار، وما ستجلبه من أموال لتأهيل البنى التحتية المدمرة، من طرق ومحطات توليد الطاقة، والإسكان والمستشفيات والمدارس، وغيرها من البنى والمؤسسات التي دُمرت كلياً أو جزئياً، لكن هذا السيناريو اصطدم مؤخراً بعدد من المعطيات الإقليمية والدولية، في مقدمتها الضغط الأمريكي على محاصرة صادرات النفط الإيرانية، ووضع بنوك لبنانية عدة على لوائح الخزانة الأمريكية للإرهاب.
الأوضاع في إيران والعراق ولبنان ازدادت حدّة، ووقعت المصارف اللبنانية في أزمة غير مسبوقة، ولم تعد دمشق قادرة على الاعتماد عليها لتأمين عملياتها المالية، وتوفير القطع الأجنبية، وهو ما انعكس سلباً على تراجع كبير في سعر الليرة السورية، ومن المعروف أن روسيا لا تقدم دعماً مالياً؛ بل تتنظر الحصاد.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"