ظاهرة الرئيس ترامب

04:12 صباحا
قراءة 3 دقائق
د.غسان العزي

عندما انتخب نجم تلفزيون الواقع دونالد ترامب، رئيساً للولايات المتحدة في نوفمبر الثاني 2016 أكد المراقبون الذين فوجئوا بهذا الفوز أن رئاسة ترامب لا مستقبل لها لأن أغلبية الناخبين سيديرون له ظهورهم عما قريب، بدليل أن منافسته كلينتون تفوقت عليه بثلاثة ملايين صوت. واجتمعت معاهد استطلاع الرأي على القول إن الرئيس الجديد سيحطم الأرقام القياسية لجهة الشعبية المتدنية بالمقارنة مع أسلافه الرؤساء. وفي يناير 2017 لحظة ولوجه إلى السلطة كشفت استطلاعات الرأي أنه يحظى برأي إيجابي من قبل أربعين في المئة فقط، من المستطلعين، في حين أن 54% كان رأيهم سلبياً حياله.
لكن بعد مرور عام ونصف العام تقريباً يبدو أن المشهد السياسي الأمريكي تعرض لتغير جذري ، إذ إن الرئيس ترامب لا يزال يحتفظ بقاعدته الانتخابية على الأقل، ويتطلع إلى الانتخابات المقبلة بثقة كبيرة.
منذ يومه الأول، وحكم ترامب يحير الطبقات السياسية، والصحفية والأكاديمية، ويتعرض لأقسى الانتقادات من قبل وسائل الإعلام، لاسيما في الساحل الشرقي الأمريكي. وقد شهدنا استقالات وإقالات متواصلة في قيادة البيت الأبيض، في وقت يستمر فيه المدعي العام الخاص مولر، في تحقيقه المطول حول التدخل الروسي في انتخابات العام 2016 واحتمال تورط فريق ترامب مع عملاء روس في مثل هذا التدخل.
من جهة أخرى، يمكن القول إن إنجازات ترامب والكونجرس الجمهوري التشريعية، ليست كبيرة. فإصلاح النظام الصحي الذي فرضه الرئيس السابق أوباما لم يتم إلغاؤه، كما سبق والتزم ترامب خلال حملته الانتخابية وبعدها. والإصلاح الكبير للنظام المالي والضريبي الذي صوت له الجمهوريون بحماسة واضحة لا تؤيده إلا فئة قليلة من الناخبين، لأنه أتى لمصلحة الشركات الكبرى والفئة الأكثر ثراء التي لا تشكل أكثر من 1% من السكان.
إزاء ذلك وغيره، كان من المنطقي أن نشهد انهياراً في شعبية الرئيس الذي يحظى بصورة سلبية في العالم، فيسيء إلى صورة الولايات المتحدة نفسها. لكن ما يحصل هو العكس. فاستطلاعات الرأي التي أجرتها المؤسسات الأمريكية المتخصصة في الأشهر المنصرمة، تكشف عن صعود ولو طفيف في شعبية الرجل، كذلك تتراجع الآراء المناهضة له، ولو بشكل طفيف أيضاً. كيف يمكن شرح هذا التطور الإيجابي لمصلحة ترامب ؟
لقد كشف ترامب عن قدرة فائقة في التعامل مع وسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية. وهو يستفيد من الدعم غير المشروط لشبكة «فوكس نيوز» الإعلامية الشعبية جداً في أمريكا العميقة. كما أنه اختار التواصل الدائم مع مؤيديه بفضل حسابه على تويتر الذي يحظى بخمسين مليون متابع .
في مواجهة هذا التحدي، يعتمد الحزب الديمقراطي على انتخابات الكونجرس النصفية المقبلة التي حشد لها مؤيديه، لاسيما من الأقليات السوداء، والهسبانية. ويبدو أن الحزب الجمهوري يخشى بالفعل خسارة هذه الانتخابات، إذ إن 48 نائباً من بينهم بول رايان نفسه، قرروا العزوف عن خوض هذه الانتخابات خوفاً من الهزيمة .
الهزيمة الجمهورية المحتملة في الكونجرس لا تخيف ترامب الذي لن يصعب عليه استخدام تويتر بكثافة لإقناع ناخبيه بأنه يتعرض للاضطهاد من قبل الديمقراطيين الذين يعيقون عمله، ويسيطرون على ،الاستابليشمنت، الفاسد في واشنطن. والرهان الأكبر يبقى على الانتخابات الرئاسية في العام 2020 التي أعلن ترامب منذ اللحظة ترشحه لها وثقته الكبيرة بالفوز فيها .
ما يخشاه المراقبون هو أن إعادة انتخاب ترامب لأربع سنوات جديدة قد تسدد ضربة قاتلة للديمقراطية الأمريكية المريضة، كما حذر الأستاذان الجامعيان ستيفن لفيتسكي، ودانييل زيبلاط، في كتابهما الموسوم «كيف تموت الديمقراطيات».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"