عقد من الزمن على رحيل تريم

06:37 صباحا
قراءة 3 دقائق

عشر سنوات مرّت على رحيل تريم عمران السياسي والإعلامي الإماراتي الكبير، وما زال أبو نجلاء متألقاً لا يخفت له ضوء في ذاكرة الإمارات، وسيظل تريم متألقاً مهما تداعت الأيام على هذا الرحيل، مَثله في ذلك كمثل من يتركون مآثر حميدة بين ظهراني أمتهم، وما أكثر هذه المآثر عند تريم عمران .

كان رحيل تريم مؤلماً، وناء هذا الألم بثقله على نفوس من عرفوه عن قرب، وهم كُثُر، لأن الرحيل كان مبكراً، ولأنه جاء وصاحِبُه في قمة عطائه، ذلك العطاء الثرّ والسخي، الذي عرفه الناس عن تريم في كل موقف من مواقفه الإنسانية، التي كانت تجسّده نشاطات تريم الإعلامية والسياسية والاجتماعية . . أول مرة أحتكُّ بتريم، ويتم بيننا اتصال مباشر، كانت في القاهرة، وكان تريم إذ ذاك سفيراً لبلده الإمارات العربية المتحدة، ومندوباً لدى الجامعة العربية، وكنت حينئذ أشغل منصباً لدى حكومة دبي، نائباً لمدير البلدية، في العام 1974 تقريباً . . وكانت زيارتي للقاهرة على رأس وفد من البلدية للبحث عن عمّال وموظفين مصريين للعمل لدى البلدية . . واستقبلَنا تريم بحفاوة، وكعادته المضيافة أقام لنا في منزله حفل عشاء، دعا إليه محافظ القاهرة آنذاك، وكبار موظفي المحافظة وبعض المسؤولين المصريين، وتمَّ التفاهم بيننا وبين المحافظة على اختيار عددٍ كبير من العمّال للسفر إلى الإمارات، والعمل لدى البلدية . . كان تريم - رحمه الله - ودوداً وكريماً، خصص لنا في السفارة مكتباً لمقابلة المتقدمين، وكانت سفارة الإمارات بالقاهرة في منطقة الزمالك على النيل قبل الانتقال إلى الجيزة، وكانت دولة الإمارات العربية المتحدة قد تأسّست منذ فترة قصيرة، قبل سنتين، وكان أبو نجلاء أول سفير للإمارات في مصر، ومكث هناك حتى عام ،1975 حيث عاد وتولى رئاسة المجلس الوطني الاتحادي خلفاً للمرحوم ثاني بن عبدالله .

وقد كان تريم سفيراً في عهد الرئيس أنور السادات، وكان عهد السادات، كما هو معروف، عهد انقلاب على الناصرية المؤسِّسة للثورة المصرية عام ،1952 وبالرغم من أن أبا نجلاء يميل بعواطفه نحو الناصرية، لكنه كان دبلوماسياً محنكاً وقومياً متحضراً يتغلب عقله الكبير على عواطفه، وكان بين نظام الرئيس أنور السادات أصدقاء لأبي نجلاء، بالإضافة إلى علاقة تريم الواسعة بالقوى السياسية ذات الاتجاه المتعدد من عرب وغيرهم، بسبب اتزانه السياسي وتقبّله للرأي الآخر، وتجلى ذلك في الحفل التأبيني الذي أقيم في القاهرة بعد وفاة تريم بوقت قصير، حيث حضر هذا الحفل حشد كبير من أصدقاء تريم وصحبه من المصريين وغيرهم، وكنت شخصياً من بين من حضر هذا الحفل في القاهرة بدعوة كريمة من رفيق درب تريم عمران وشقيقه، الدكتور بوخالد، عبدالله عمران . . وقد كانت الكلمات التأبينية في تلك المناسبة مؤثرة ومعدِّدة للخصال الحميدة التي كانت من خُلق هذا الفقيد الكبير، وكان من بين من تحدثوا عن تريم صديقه الدكتور محمد حسنين هيكل، الشخصية الإعلامية والسياسية المصرية المعروفة . . وكان حديث الدكتور هيكل مركزاً على ثقافة تريم ونضوجه السياسي، وقدرته على طرح أفكاره بلغة موضوعية وذات رنين مؤثر .

ومنذ التلاقي في مصر توطدت بيني وبين أبي نجلاء علاقة ازدادت رسوخاً على مرِّ الأيام، وكانت صدمة رحيله عليّ موجعة، وما زال وخزها ينتابني كلما مرّت ذكراه، ليس بسبب هذه العلاقة الأخوية الودّية، بل لأن الأمة الإماراتية، كلَّها، فقدت شخصية قيادية وغالية تقف شامخة في صفوف الكبار ممن يشيد بهم تاريخ أمتهم وما قدّموا لها من مآثر .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"