علاقات القوة والتنمية

00:16 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عبد العظيم محمود حنفي

يقدم بعض الباحثين في دراسات القوة، تعريفين رئيسيين للقوة؛ القوة كقدرة والقوة كعلاقة. القوة بما هي قدرة تعني قدرة الفرد على متابعة أهدافه، وتتضمن مفهوم الهيمنة. وذلك لأن علاقات القوة، بحسب التعريف، غير متساوية بين من يوظفون القوة لبلوغ أهدافهم ومن يخضعون لهذه القوة. أما القوة بما هي علاقة فتشير في مقابل ذلك إلى الأفعال التي تؤثر في أفعال الآخرين، وليس القوة كشكل مباشر من الإكراه. ولا تقتصر علاقات القوة فحسب على علاقات الإكراه، وإنما أيضاً يمكن أن تكون منتجة، فالقوة بما هي علاقة لا تشير فحسب إلى قوة الإكراه واستخدام العنف، وإنما كذلك القدرة على التأثير في أفعال الآخرين.
والقوة بذلك تفترض مسبقاً وجود الحرية وإمكانية الرفض. وبهذا المعنى لا تؤدي القوة بالضرورة إلى استبعاد الحرية أو الاختيار. فالقوة يمكن أن تكون منتجة من حيث أنها يمكن أن تدفع الآخرين إلى الفعل كصناع قرار مستقلين. وفي المقابل يذهب باحث متميز آخر إلى أن المؤسسات هي بؤرة القوة ؛ فالمؤسسات التي تمنح أفراداً في مواقع معينة سلطة أو قوة صنع القرار على استخدام وتوزيع موارد تلك المؤسسة هي التي تمنح هؤلاء الأفراد القوة التي يمارسونها على الآخرين.
والقوة بذلك تفتت بين الأفراد الذين يحتلون مواقع مؤسسية رئيسية في المجتمع وهذا ينطبق على القوة الاقتصادية والسياسية والأيديولوجية وما إليها ووفقاً لهذا الرأي فإن نخبة القوة تتكون من أشخاص... في مواقع تمكنهم من صنع قرارات تترتب عليها نتائج كبرى وهؤلاء يتولون قيادة الهرميات والمنظمات الرئيسة في المجتمع الحديث، ويحكمون الشركات الكبرى، ويديرون أجهزة الدولة ويطالبون بامتيازاتها ويحتلون مواقع القيادة الاستراتيجية في البنية الاجتماعية التي تتركز فيها الآن الوسائل الفعالة لقوة الثروة والشهرة التي يتمتعون بها وأنه في المجتمع الأمريكي تكمن القوة القومية الرئيسية في الميادين الاقتصادية والسياسية والعسكرية.
لكن هناك من دارسي القوة من يرفض التفسير المؤسسي للقوة ويرى بدلاً من ذلك أن القوة منبنية بين الطبقات، وأنها ليست خاصية للمؤسسات والمنظمات. وهذا الرأي مع أنه يركز علاقات القوة في البنية الاقتصادية، يعترف بإمكانية حدوث عمليات إزاحة بين الأبنية الاقتصادية والسياسية والأيديولوجية وهذه العمليات قد تؤدي في بعض الأوقات إلى هيمنة البنية السياسية على أبنية المجتمع الأخرى. وفي حال هيمنة البنية السياسية تقوم علاقات القوة السياسية إلى درجة كبيرة بتقرير مدى إمكانية الوصول إلى موارد البلاد الاقتصادية والفوائد التي تتيحها. وتقوم نخب القوة بتوظيف أشكال النداء الأيديولوجي لفرض هيمنتها على شرائح النخب الأخرى وعلى الطبقات الأخرى.
والانتقال من أحد مراحل التنمية إلى التي تليها يكون في العادة محصلة لعلاقات القوة المهيمنة وطريقة تغير هذه العلاقات وإعادة بنائها استجابة للتغيرات في النظام الاقتصادي الدولي و/‏ أو التغيرات في سياسات واستراتيجيات التنمية الداخلية.أما بالنسبة إلى الدولة، فهناك من رأى أن الدولة ذاتها علاقة اجتماعية تعكس الترتيب الفعلي لعلاقات القوة النسبية. والدولة بذلك تلعب دوراً حاسماً في التنمية الاقتصادية والأبنية المختلفة لأشكال اللامساواة الاجتماعية التي قد تنشأ عن علاقات قوة غير متساوية.وفي ذلك يميز أحد الآراء بين ثلاثة أشكال للدولة: الافتراسية والوسيطة والتنموية. الافتراسية هي التي تخضع لسيطرة نخبة سياسية مصممة على تحقيق مصالحها هي ولو على حساب مصالح المجتمع ككل. أما الدولة الوسيطة فهي التي تكون قد بنت قدرة إدارية ما، لكن لا تزال أبنية هذه الدولة مفتتة وقابلة للاختراق من جانب جماعات المصالح المختلفة. أما الدولة التنموية فهي تمتلك بيروقراطية متطورة توظف بناء على جدارتها وتمتلك القدرة على أداء جميع الوظائف المطلوبة لتعظيم التنمية الاقتصادية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"