على هامش اليوم العالمي للتسامح

03:51 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عبدالعزيز المقالح

لم يهتم به أحد سوى بعض الصحف وبعض القنوات الفضائية التي اكتفت بالإشارة إليه في خانة الأخبار الثانوية، تلك التي تأتي في آخر النشرة أو في زاوية نائية من الصفحة، علماً بأنه اليوم الجدير بالحفاوة والوقوف للنظر في أهدافه ومراميه العظيمة، فهو بالنسبة لنا نحن العرب وللإنسانية جمعاء الطريق المؤدي إلى الأمن والتعايش ومواجهة المد العنصري والخلافات الدينية والمذهبية والعرقية، وبدونه، أي بدون التسامح سيتحول هذا الكوكب الجميل أو الذي كان جميلاً إلى ساحة لحروب ومعارك لا تنتهي إلاّ بنهاية الجنس البشري واختفائه من على هذه الأرض.
ومشكورة هي الجهة التي جعلت للتسامح يوماً في العام يحتفل الناس به ويتذكرون فضله على هذه الأرض ومن يسكنها، إذ لولاه لكان الانقراض قد طوى صفحة الوجود البشري من قرون خلت.
وهنا أود القول إن كلمة «التسامح» بإيقاعها العذب تُطربني وتسعدني، كما أنها لابد أن تكون قد أسعدت مئات الملايين من أبناء هذه الأرض، ومن حقها عليهم أن يجعلوها أيقونة ترمز إلى المحبة والتعايش والسلام، وندعو الجميع إلى التصدي لدعاة الكراهية ومثيري الفتن والمنازعات التي لم تعد قاصرة على تأجيج الصراعات بين شعب وآخر بل داخل كل شعب، وبين أبنائه الذين كانوا يشكِّلون في ظل التسامح عائلة واحدة يجمعها الحب والولاء للوطن الذي هو المأوى والمستقر لكل ساكنيه على اختلاف ما قد يكون لهم من انتماءات أو خصوصيات. فالتنوع وتعددية الآراء لا تفسد الأوطان وإنما تفسدها الكراهية والاستجابة لما يأتي في مخططات الأعداء من دعوات تنسف جسور الأخوَّة الوطنية وتزرع الأضغان وتحوِّل البلد الواحد إلى شظايا تدمر بعضها بعضاً وتفتح الأبواب على أشكال من الصراعات والحروب المسمّاة بالأهلية نسبة إلى أهل البلد الواحد الذي يأكل نفسه ويمزق نسيج وحدته وكيان وجوده.
ومن النافل القول إن غياب مبدأ التسامح أصبح شاملاً ولم يعد وقفاً على أمة دون أخرى، ولا علامة تميز الشعوب المتخلفة عن تلك التي حققت تقدماً مبهراً في مجالات عديدة وربما كانت هذه الأخيرة أكثر تعرضاً للانهيار وفقدان حدتها وانتشار ظواهر الفوضى واللاتجانس، وتعود الأسباب إلى أن تلك الشعوب المتقدمة أقامت علاقاتها الخارجية والاستعمارية على مبدأ معروف وشرير هو «فرِّق تسد» ولم تكن تضع في حسبانها أن مبدأ يقوم على تمزيق الشعوب واللعب بمقومات استقرارها سيعود عليها ويعمل في المدى الطويل أو القصير على إيقاظ النزعات العرقية في أوساط مواطنيها الذين يتألفون من أخلاط لا يجمع بينها سوى مبدأ التسامح وما يفرضه من قوانين المساواة والعدل، ويمكن لنا في هذا الصدد أن نضرب مثلاً بالولايات المتحدة الدولة العظمى أو الأعظم في عالم اليوم، وما ينتظرها من تفكك وشيك أصبحت معالمه واضحة للعيان.
ولعل ما يعنينا هو واقعنا العربي هذا الذي تفشت في بعض جوانبه الصراعات الدامية التي جعلت بعضاً من أبنائه يقفون وسط هذا الخراب متسائلين: كيف حدث هذا متجاهلين المقدمات التي أدت إلى كل ما يحدث، أما الأخطر في كل هذا فيتجلى في مواقف الغافلين أو المتغافلين عمَّا يجري والذين يتوهمون أنهم جاءوا من كوكب آخر ولا يعنيهم ما يحدث في وطنهم ولا يدركون خطر النار التي تقترب من منازلهم، وهي نار إذا لم يسارع العقلاء إلى إطفائها بمياه الحكمة والتسامح فلن تُبقي ولن تذر، وأعود مرة ثانية لأذكِّر القارئ بما أسلفت قوله في هذا الحديث من أنني أطرب لكلمة التسامح ولم أعد أهتم بأي كلمة من آلاف الكلمات التي تضمها المعاجم سوى بهذه الكلمة ذات الرنين العذب والإيقاع الجميل.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"