عن زيارة الرئيس المصري إلى السعودية

05:33 صباحا
قراءة 4 دقائق

أثارت الزيارة الأولى إلى الخارج التي أداها الرئيس المصري الجديد محمد مرسي إلى الرياض، أصداء قوية، وإن لم تكن جميعها ظاهرة . فالرئاسة المصرية حسمت مبكراً خياراتها بأولوية الدائرة العربية في السياسة الخارجية للقاهرة، وبأولوية توطيد العلاقات مع الرياض قبل أي عاصمة إقليمية أو دولية .

لقد زار رئيس مصر الدولة الخليجية الكبرى الأربعاء والخميس الماضيين 11 و12 يوليو/تموز تدشيناً لعودة الحضور السياسي المصري في المنطقة، ولطمأنة الرياض بأن العهد الجديد سوف يرسي تعاوناً وثيقاً معها وبقية عواصم الخليج، وللتأكيد أن مصر ليست بصدد تصدير ثورتها، وأن الإخوان المسلمين في الحكم ليسوا بالضرورة هم أنفسهم في المعارضة . وكانت الرياض أغلقت سفارتها في القاهرة وقنصليتيها في القاهرة والسويس في إبريل/نيسان الماضي، إثر احتجاجات أهلية عنيفة على احتجاز محامٍ مصري في الرياض، لكن اتصالات سريعة بين البلدين طوّقت الأزمة العابرة .

من المعلوم أن جماعة الإخوان، إذ تحظى ببعض الامتدادات في دول خليجية ( الكويت والبحرين مثلاً)، فإنه ليس لها أي امتداد داخل المجتمع السعودي، وتحظر السلطات أي جماعات وتنظيمات تمارس نشاطاً سياسياً، بينما تمارس جماعات ذات طابع سلفي نشاطات دعوية واجتماعية وإعلامية واسعة . ويستذكر المرء هنا أنه في السنوات العشر الأخيرة من حكم مبارك، وأمام اشتداد الضغط الرسمي على جماعة الإخوان المصرية، نشأ تقارب بين الجماعة وطهران، وهو ما ظل موضع حذر لدى الرياض . وقد تغير الحال مع نشوب الأزمة السورية قبل 16 شهراً، وانفكاك جماعات الإسلام السياسي عن محور طهران دمشق، وهو ما تؤكده زيارة مرسي الذي استقال من الجماعة ما إن انتخب رئيساً للجمهورية، إلا أن مرجعيته الإخوانية ستظل حُكماً تفعل فعلها في طريقة التفكير . . وقد سعت طهران إلى التقرب من الرئيس المصري الجديد ما إن تم انتخابه، لكنه لم يبد تجاوباً يذكر، وقرر اختيار الرياض لتكون أول عاصمة يزورها وهو ما تم .

الزيارة جرت في أجواء مريحة للجانبين وشبه احتفالية، وقد اصطحب الضيف وزير خارجيته محمد عمرو ومدير المخابرات محمد موافي، للتدليل على أهمية تنسيق السياستين الخارجية والأمنية بين البلدين العربيين الأهم في المنطقة . وقد أطلق محمد مرسي تصريحات في جدة عن أهمية استقرار مصر والخليج لعموم الاستقرار في المنطقة، وسبقت الزيارة تصريحات عن ديوان الرئاسة المصرية أفادت بأن أمن الخليج خط أحمر .

من المهم الإشارة هنا إلى أن مواقف مماثة ظلت تصدر على مدى عقود من القاهرة إزاء الرياض ومنطقة الخليج عموماً، ما يثور معه تساؤل: هل العهد المصري الجديد لن يفعل شيئاً سوى استئناف سياسة سابقة اعتمدها الرئيس السابق مبارك؟ . . الجواب عن التساؤل: إن هناك، حتى تاريخه، توافقاً في الشكل بين السياستين السابقة والراهنة، أما المضمون الفعلي فسوف يتأثر بأداء الرئاسة المصرية الجديدة ونظرتها إلى دور مصر في المنطقة، وترتيبات ضمان أمن الخليج، وطبيعة العلاقة مع واشنطن، وصولاً إلى الموقف الرسمي المصري من التغوّل الإسرائيلي، وخلال ذلك تبلور الموقف من الأزمة السورية المتطاولة . وكان عهد مبارك قد منح مصر دوراً متواضعاً في تقرير مصير المنطقة، ومُلحقاً بالسياسات الأمريكية باستثناء تباينات طفيفة ما إن تظهر حتى تختفي . وقد نسب إلى الرئيس المصري قبل زيارته الرياض تصريحات من قبيل، إن هناك حاجة ملحة إلى مشروع عربي للنهوض، مقابل المشروع الأمريكي الصهيوني وبقية المشاريع التي تصطرع على المنطقة .

ولا شك في أن القاهرة سوف تجد مساحات واسعة من الالتقاء مع الرياض على هذه الرؤية، وابتداء من تطمينات مصرية بأن العرب أو العمق العربي هو ما يحفظ أولاً أمن الخليج . وانتقالاً إلى تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين (هناك مليون و650 ألف مصري في السعودية، و700 ألف سعودي يقيمون في مصر بصفة دائمة، وبعضهم مستثمرون)، وسوف يحتاج الأمر إلى بضعة أسابيع أخرى إلى أن تستقر الأوضاع الدستورية في مصر، وتتشكل حكومة العهد الجديد، كي يتاح لهذا العهد بلورة وأداء سياسته الخارجية التي سوف تتشارك قوى عديدة في صياغتها بما يعكس الواقع السياسي الجديد، وهي قوى في مجملها ذات منزع راديكالي لا ترتضي أن تكون مصر مجرد دولة كبيرة بمساحتها وعدد سكانها وأزماتها الاقتصادية، من دون أن تكون كبيرة بالفعل بثقلها السياسي والاستراتيجي .

في هذا السياق وليس بمعزل عنه، فقد تردد في الآونة الأخيرة أن إدارة أوباما تريد من الرئيس المصري الجديد دعم معاهدة السلام بين القاهرة وتل أبيب واعتبارها ركنا أساسياً من أركان السياسة الخارجية المصرية . في واقع الأمر، فإن صمود القاهرة في وجه الاشتراطات الأمريكية التي تريد ألا يطرأ أي تغيير على السياسة الخارجية المصرية، سوف يشكل مدخلاً أساسياً لبناء سياسة خارجية تضع المصلحة العليا لمصر، ومصالح العالم العربي بما فيه الخليج، فوق أي اعتبار، وما يتطلبه ذلك من سياسة تجمع بين الحزم والرشد وبين الصلابة والمرونة .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"