عن سوريا والجامعة العربية

02:39 صباحا
قراءة 3 دقائق
حسام ميرو

نادت بعض الأصوات، في الآونة الأخيرة، بضرورة عودة سوريا إلى الجامعة العربية، عبر صيغة، شبه موحدة، وهي «استعادة سوريا إلى الجامعة العربية»، وقد اتكأت تلك الأصوات على مخزون من المعلومات التاريخية، حول مواقف سوريا من القضايا العربية، وفي مقدمتها الموقف من القضية الفلسطينية، وانطلاق الفكر القومي من سوريا، وأهمية دمشق التاريخية والحضارية، كما بدا واضحاً أن دعاة عودة سوريا إلى الجامعة العربية لم يَفتهم استخدام لغة رومانسية، عاطفية، تصلح لأي شيء، لكنها لا تفيد في التحليل الفكري/ السياسي، بل إنها مضرّة، وتذكر إلى حد بعيد بتاريخ من الدعوات الإنشائية في التاريخ العربي المعاصر، والتي كلّفت العرب الكثير، في غير محطة من محطات التحوّل السياسي.
في الجانب السياسي من تلك الدعوات موقف براغماتي، لا يمكن تجاهله، بل من المفيد مساجلته، وينطلق ذلك الموقف البراغماتي من تحليل للأوضاع بعد سنوات من الأزمة السورية، مفاده أن النظام السوري، و«الجيش الوطني»، قد انتصرا في الحرب على سوريا، وأن استعادة سوريا في هذا الوقت من شأنه أن يساعد على إبعاد تركيا وإيران، خصوصاً أن الأخيرة أصبحت مصدر تهديد استراتيجي/ وجودي لمنظومة الأمن والاستقرار في كامل المنطقة العربية.
إن هذا المنطق السياسي، يتجاهل في الواقع عدداً من الوقائع، وأبرزها:
أولاً: أن سوريا اليوم أصبحت ساحة صراع بين عدد من القوى الإقليمية والدولية، وليس فقط تركيا وإيران، وإنما أيضاً، وبشكل رئيسي، روسيا، وإلى جانبها الولايات المتحدة في الشمال السوري، وليس واضحاً بعد إذا كانت ستنسحب كلياً أم لا، وما الترتيبات التي ستقوم بها في حال انسحابها؟، وهناك أيضاً «إسرائيل» التي تستبيح منذ أكثر من عامين الأجواء السورية، وتقوم بقصف مواقع إيرانية، وأخرى تابعة ل «حزب الله»، بالإضافة إلى مواقع سوريّة.
ثانياً: إن إبعاد إيران وتركيا لم يعد رهناً بموقف النظام السوري، وإنما بمستوى نفوذ الدولتين في سوريا، فإيران تمتلك، بشكل مباشر، وغير مباشر، مستشارين وضباطاً وخبراء عسكريين (حوالي 2000 شخص)، ويتبع لها عدد من الميليشيات، وتسيطر على معابر حيوية، مثل معبري البوكمال على الحدود السوريّة -العراقية، واليعربية في مدينة الحسكة، بالإضافة إلى آلاف المقاتلين من «حزب الله» (يقدر عددهم بحوالي 7000 مقاتل)، كما يخضع للنفوذ التركي عدد من الفصائل في محافظة إدلب.
ثالثاً: تمتلك روسيا نفوذاً جوياً قوياً في سوريا، لكنها لا تمتلك وحدات بريّة، ما عدا الشرطة العسكرية، كما في حلب، والجنوب السوري، وبعض المناطق الأخرى، وبالتالي من الصعب أن يؤثر أي قرار للنظام السوري، من دون توافقات إقليمية ودولية، وأدوات ضغط كافية، في إخراج إيران.
رابعاً: إن إخراج قوى الاحتلال من سوريا غير ممكن من دون عملية انتقال سياسي، تضمن مصالح مختلف الفئات الاجتماعية، من خلال عقد اجتماعي جديد، يحظى بقبول غالبية السوريين، ويمهّد لنظام سياسي له مصداقية وشرعية وطنية، تدعمه في عمله لإخراج قوات الاحتلال.
خامساً: إن عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية، حتى في حال حصوله، لن يقدم أو يؤخر في دفع النظام السوري إلى اتخاذ مواقف حاسمة ضد إيران، فقد أصبحت إيران دولة ضامنة (بالإضافة إلى روسيا وتركيا)، لجميع الاتفاقيات التي جرت في أستانة.
يبدو واضحاً أن الدعوة لإعادة التطبيع بين الجامعة العربية وسوريا تتجنب التطرّق إلى هذه المسائل.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"