عودة التنسيق الأمني

05:18 صباحا
قراءة 3 دقائق

نبيل سالم

من الطبيعي أن تثير الأخبار التي أوردتها القناة «الإسرائيلية» الثانية مؤخراً، حول عودة التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية و«إسرائيل»، ردود فعل غاضبة في الشارع الفلسطيني، لا سيما أن الإعلان عن عودة هذا التنسيق، يأتي بعد اتفاق المصالحة بين فتح وحماس الذي يأمل الفلسطينيون من خلاله طي صفحة الخلافات الفلسطينية، علماً أن هذا التنسيق كان ولا يزال وسيبقى محل رفض قوي في الشارع الفلسطيني
ولعل هذا ما حمل معظم الفصائل الفلسطينية على إدانة هذه الخطوة، التي تقدّم مساعدة مجانية للاحتلال «الإسرائيلي»، وهو ما أكّدته الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي اعتبرت عودة التنسيق الأمنيّ مع الاحتلال خدمة مجانية له، كما دانت حركتا حماس والجهاد عودة هذا التنسيق الذي علّق، كما هو معروف، قبل ثلاثة أشهر خلال ما عرف بأزمة البوابات الإلكترونية التي أرادت قوات الاحتلال وضعها على مداخل الحرم القدسي، وهو ما دفع بالسلطة الفلسطينية إلى وقف التنسيق الأمني.
لكن لكي نتبيّن أسباب الموقف الفلسطيني الرافض بقوة لفكرة التنسيق الأمني مع الاحتلال، لا بد لنا من التذكير بأنه منذ بدء عمل السلطة الفلسطينية، ثبّتت الاتفاقات الفلسطينية - «الإسرائيلية» الوظيفة الأمنية كمقياس لمدى كفاءة السلطة، وما يمكن أن تمنحه لها «إسرائيل» من تنازلات في المقابل خلال أي مفاوضات تجري بين الجانبين، أي أن الاحتلال «الاسرائيلي» لا يستخدم ورقة التنسيق الأمني لملاحقة المقاومين للاحتلال وحسب، وإنما ورقة ابتزاز رخيص للسلطة الفلسطينية أيضاً، خاصة أن هذا التنسيق يجري في وقت يمعن فيه الاحتلال، بالتوسع في سياساته الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية، ضارباً عرض الحائط بكل الاعتراضات والمواقف الفلسطينية والدولية الرافضة للاستيطان الذي يمثّل إحدى كبرى العقبات في طريق أية تسوية سياسية مهما كانت.
والحقيقة أن المشكلة الكبرى بالنسبة للتنسيق الأمني، هي أن هناك من يرى فيه التزاماً لا يمكن للحكم الذاتي البقاء دونه، وبوابة لا بدّ لمشروع بناء الدولة المرور إلا من خلاله، رغم أنه في الواقع يعدّ خطيئة كبرى، ستجرّ الويلات على الشعب الفلسطيني المقاوم للاحتلال والساعي للتحرر منه بكل الوسائل.
ومعنى التنسيق الأمني هنا، ليس بأن يكون أحد الشروط التي لا بد من توفرها للبدء بمشروع الدولة الفلسطينية، كما يحاول البعض إيهامنا، وإنما هو وظيفة السلطة الفلسطينية بتقديم الخدمات للاحتلال من دون مقابل، دون السماح لها بتحقيق أي قدر من المكاسب أو المنجزات على طريق تحقيق حلم بناء الدولة الفلسطينية المنشودة.
إذ إنه منذ توقيع اتفاق أوسلو، حرصت «إسرائيل» وبنجاح كبير، على أن ترسّخ في ذهن السلطة الفلسطينية، أن أداءها المقبول من الاحتلال هو المحدد الأساسي لمدى تجاوبها مع المطالب الفلسطينية في المفاوضات، وهو أمر أثبتت الأيام أنه قراءة خاطئة للأمور، حيث إن الاحتلال كلما قُدّم له تنازل سيطلب المزيد، بغض النظر عما إذا كان هناك تنسيق أمني أم لا.
فهذا التنسيق الأمني لم يوقف أو يحد من جرائم «إسرائيل» ولا مخططاتها التوسعية، بل يزيد من شراسة الاستيطان والمستوطنين.
ومع أن جرائم الاحتلال تمثّل مبررات للتخلص من أعباء التنسيق الأمني، إلا أن الرفض الشعبي الفلسطيني للتنسيق الأمني مع الاحتلال، يجب أن يكون المحدد الأهم بالنسبة للسلطة الفلسطينية، حيث تؤكد العديد من استطلاعات الرأي التي تجريها مراكز الاستطلاع والدراسات المختصة، أن النسبة العظمى من الفلسطينيين تدعو إلى وقف التنسيق الأمني، لاسيما مع انسداد الأفق أمام أي تسوية سياسية تعطي الشعب الفلسطيني ولو الحد الأدنى من حقوقه المشروعة، والتي كفلتها له الأعراف والقوانين الدولية.
أخيراً، لا بد من القول إن عودة التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية و«إسرائيل»، ربما تشكّل خطراً حقيقياً على أي جهود تبذل لتوحيد الصف الفلسطيني بشكل واضح وصريح في مواجهة الاحتلال الساعي فقط إلا ديمومته وتغيير الواقع على الأرض، بما يخدم المصلحة «الإسرائيلية»، التي تتلخّص في تصفية القضية الفلسطينية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"